النهار
أدخلت التطورات في سوريا على معادلة السياسة الاقليمية متغيرات هائلة لا يمكن تجاهلها، ولو انها لا تزال في طور التفاعل والتصاعد ولم تنتهِ فصولها بعد، وقد لا تنتهي في وقت قريب مع احتمال دخول عوامل ومتغيرات كثيرة مفاجئة على الخط وضرورة الانتظار وقتاً طويلاً حتى بلورة الأمور واتضاحها، باعتبار انها لا تزال في وتيرة متسارعة. لكن الصورة العامة للوضع أظهرت حتى الان أن المحور الذي تنتمي اليه سوريا الى جانب ايران استمد قوته العام الماضي على قاعدة ان محور الاعتدال العربي قد أصيب بنكسة كبيرة نتيجة الاعتقاد أن موضوع الخلافة الذي طرح في المملكة العربية السعودية على اثر مرض الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز إضافة الى المشكلات التي كانت تواجهها مصر ابان الاشهر الاخيرة من حكم الرئيس حسني مبارك، تعني أن هذا المحور كان في حال ضعف سمح بتسجيل نقاط ضد مصلحته في المنطقة. وكان أحد وجوه النقاط التي سجلت في هذا الاطار ما حصل في لبنان من خلال اخراج المملكة العربية السعودية من معادلة ما سمي السين السين في لبنان لمصلحة اعادة النفوذ السوري والايراني وسيطرتهما على الوضع اللبناني. وقد شكلت مناشدة رئيس مجلس النواب نبيه بري ومناشدة العماد ميشال عون الملك السعودي التدخل لمصلحة انقاذ الوضع السوري في ما يعنيه ذلك من مساعدة النظام، أمرا لافتاً وذا مغزى. إذ إن الرئيس بري لم يعترض لدى سوريا او علناً على اطاحة ابتكاره لمعادلة السين السين وتطيير المملكة السعودية من المعادلة اللبنانية الداخلية على رغم اقتناعه المعلن سابقاً، بأنها هي الوصفة لحماية الداخل اللبناني، في حين أن العماد عون لم يوفر في اي مناسبة توجيه حملات قاسية الى الزعامة الرئيسية في الطائفة السنية خلال الاعوام الاخيرة، الامر الذي كفل له عدم استقباله من الرياض على رغم جهود عدة. والدعوة لافتة بمقدار ما حلم المسؤولون السوريون أمام مسؤولين دوليين التقوهم في وقت سابق بتسعير الصدامات على الاراضي السورية لثلاثة أفرقاء تمثل المملكة السعودية أحدهم، فيما يتهم النظام تركيا والمعارضة اللبنانية المتمثلة في قوى 14 اذار بأنهما الطرفان الاخيران في هذه المعادلة لجهة تهريب الاسلحة الى سوريا ومساعدة المعارضين السوريين.
وتشكّل المواقف المعلنة الغاضبة لحلفاء النظام السوري في لبنان ضد كل من قطر وتركيا مؤشرات بالنسبة الى مصادر ديبلوماسية مراقبة، لاستشعار تغيير موازين القوى، علماً أن الاشادات بقطر ومسؤوليها لا تزال منتشرة في جنوب لبنان بعد الاداء القطري ابان حرب تموز2006، في حين أن قطر كانت ولا تزال تحتفظ بقاعدة اميركية على اراضيها وكانت تستقبل مسؤولين اسرائيليين في مناسبات عدة، وهو ليس امراً جديداً يمكن ان يأخذه عليها من ينتقد مسؤوليها راهناً. كما أن تركيا أصبحت محمولة على الاكتاف، وصارت الحصن القوي الذي لم يضاهه العرب في مواقفها من اسرائيل، على غير ما يحمل عليها راهناً نتيجة موقفها من النظام السوري. وهذه مواقف متوقعة نتيجة التحولات الجذرية الاقليمية من النظام السوري لكون مواقف الدول العربية تجهض التحريض المحتمل على وجود مؤامرة دولية ضد النظام السوري، على قاعدة أن مشكلته داخلية ترتب انعكاسات اقليمية وعربية في الدرجة الاولى، ثم نتيجة العجز عن تقديم اجوبة واضحة لمعالجة الاسباب المفترضة لما يحصل في سوريا. اذ ان المنطق الذي يستند اليه حلفاء النظام يقوم على ثغر كبيرة لم تعد مقنعة في تسويقها، ليس على المستوى اللبناني وحده، بل ايضاً في الخارج العربي والاقليمي الى حد بعيد من خلال تجاهل وجود انتفاضة داخلية مماثلة للانتفاضات التي حصلت في الدول العربية الاخرى واعترف حلفاء دمشق بها على انها كذلك. ويقوم هذا المنطق على اعتبار ان النظام يواجه ما يحصل من صدامات دموية تشارف في خطورتها المخاوف من حرب أهلية نتيجة تحالفه التاريخي مع ايران وعدم رغبته في فك هذا التحالف، أو لأن ايران ترفض التفاوض مع الولايات المتحدة من أجل التنسيق حول انسحاب القوات الاميركية من العراق نهاية السنة الحالية، باعتبار أن واشنطن تواجه تحدي مواجهة خسارة وانهزام كبيرين نتيحة لذلك، أو لأن سوريا هي دولة ممانعة لاسرائيل ورافضة للسلام معها. في حين ان السياسة الواقعية التي هي في نهاية الامر مصالح انظمة ودول تفترض ان يعمد النظام السوري في حال صح هذا المنطق، ومن اجل انهاء معاناة بلاده، الى فك هذا التحالف مع ايران اذا كان هو ما يتهدد بلاده بالخراب، او ان تعمد ايران الى تنسيق خروج القوات الاميركية من العراق مع واشنطن، او ان يخرج النظام من محور الممانعة ضد اسرائيل واميركا.
فالعاصمة السورية اعتمدت لبنان دوماً ملعباً أو ساحة تعبر من خلالها عن مؤشرات مهمة جدا، ويستمر لبنان راهناً في التعبير عن ذلك. وهذا التغيير يعبّر عنه مجددا ايضا من خلال ما يستمر حصوله في المواقف السياسية للمسؤولين او للحكومة اللبنانية او من خلال ما حصل مع المعارضين السوريين او الخروق السورية للحدود اللبنانية. لذلك لا تغيب المخاوف الديبلوماسية الدولية من احتمال تصعيد الوضع جنوباً كإحدى الوسائل الممكنة من أجل تخفيف الضغط الداخلي والخارجي عن النظام السوري، وخصوصا مع الضغوط الدولية على ايران واستشعارها خطراً وعزلاً من خلال اهتزاز النظام في سوريا باعتباره أحد أبرز حلفائها ونافذتها على المنطقة، على رغم امتلاك هذه المصادر معطيات تفيد أن "حزب الله" يعد العدة للمرحلة المقبلة على اساس احتمال استغنائه عن النظام السوري ونفوذه في لبنان نتيجة تغيّر الوضع هناك، وهو يعمل على تحصين مواقعه وتعزيز اوراقه انطلاقاً من عدم اسقاطه هذا الاعتبار الذي يراه على ما يبدو على نحو واضح، رغم دفاعه العلني عن النظام ووقوفه الى جانبه.