الجمهورية
تتابع الاوساط الديبلوماسية العربية والدولية باهتمام شديد ما يجري في مصر في هذه الأيام، وخصوصا مع تزايد عدد قتلى الذين يسقطون في المواجهات بين القوى الأمنية والمتظاهرين، ويتخوفون من أن يساهم المشهد المصري الحالي، بالاضافة الى مشاهد مماثلة تجري في ليبيا وتونس، وإن اختلفت الاشكال في المادة من ترتيب الاولويات بالنسبة الى جميع المعنيين في المنطقة.
النظرة
إلى الغرب
ففي حين يظن بعض السياسيين أن الاميركيين خصوصا، والغربيين عموما، يريدون من المجلس العسكري المصري الحاكم "تقليم أظافر" التيارات الاسلامية عشية الانتخابات المصرية، يرى آخرون ان الموقف الاميركي "يشجّع" الاسلاميين على إضعاف المجلس العسكري من أجل اقامة نموذج اسلامي معتدل على غرار النموذج التركي يكون الوسيلة الوحيدة لامتصاص عنف التطرف السائد في الشارع العربي.
اما بعض المراقبين فيعتقدون ان السياسة الاميركية، وبإرشاد اسرائيلي، تسعى الى تحريض الطرفين بعضهما على بعض لاضعافهما معا ولإضعاف مصر نفسها من خلال جرّها الى حالات من الاحتراب الأهلي التي تأخذ في مصر ألف شكل وشكل.
وفي هذه السياق يُذكّر بعض السياسيين اللبنانيين بزيارة المبعوث الاميركي الشهير دين براون الى لبنان في ربيع 1976 حيث قال يومها كلاما مشجعا لـ "الحركة الوطنية اللبنانية" ورئيسها الزعيم الراحل كمال جنبلاط بأن البرنامج الاصلاحي الذي يطرحونه هو أقل بكثير من برامج الاحزاب اليمينية في الولايات المتحدة الاميركية، فيما يُبلغ الى رئيس الجمهورية آنذاك الراحل سليمان فرنجية بأن يُعد المسيحيون انفسهم للرحيل في سفن تنتظرهم في مرفأ جونيه من اجل أن يستوطن الفلسطينيون مكانهم، وكانت النتيجة أن هذا التحريض المزدوج أدى إلى"حرب الجبل" الشهيرة والدخول السوري على خط الأزمة اللبنانية والصدام الشهير مع الحركة الوطنية اللبنانية وفصائل المقاومة الفلسطينية.
ويبدو ان الاميركيين يعتمدون هذا الاسلوب في كل مكان يحلّون فيه أو يحلون عليه عبر تشجيع الاطراف المحلية على صدامات تؤدي الى إختزال متبادل للقوى والى فراغ لا يملأه حينها إلاّ الاميركيون مباشرة أو بالوكالة، هو ما يبدو انه المخطط المعتمد حتى الآن في مصر لمعاقبتها على الاطاحة بـ"الكنز الاستراتيجي" لاسرائيل الرئيس حسني مبارك وطرد البعثة الاسرائيلية من القاهرة بعد اكثر من ثلث قرن من رؤية العلم الاسرائيلي يرفرف في سماء القاهرة.
المجلس العسكري
يهدّد بنشر أسماء
ويبدو أيضا أن الأمر لا يقتصر فقط على الولايات المتحدة الاميركية فأوساط المجلس العسكري تهدد بنشر لوائح باسماء الشخصيات والهيئات والاحزاب التي تلقت مساعدات مالية، سواء من الولايات المتحدة الاميركية، أو من الإتحاد الاوروبي او من دول عربية واسلامية وعلى رأسها قطر.
ويربط المراقبون السياسيون بين التطورات الاخيرة في مصر وبين هجوم بعض المرجعيات الدينية البارزة في المملكة العربية السعودية والازهر الشريف على الشيخ القرضاوي واتهامه بتسعير الفتنة، ما يشير الى ان هناك نوعا من التوتر المتنامي بين الرياض والدوحة. ولا يستعبد كثيرون نشوء حلف مصري ـ سعودي في مواجهة تحالف تركي ـ قطري، وهي مجابهة لا تزعج واشنطن ابداً لأنها تستطيع من خلالها ان تشدد من إمساكها بجميع الاطراف.
ويبدو للمراقبين انفسهم ان النظام في سوريا قد لا يكون منزعجا من هذه التطورات، فهو يقول للمصريين "انكم تواجهون اليوم ما واجهناه منذ ثمانية اشهر"، ويقول للسعوديين: "هل تريدون ان تصبح قطر زعيمة الخليج والجزيرة على غرار الضفدع في رواية لافونتين الذي أراد ان ينفخ نفسه ليصبح ثوراً فينفجر في نهاية المطاف".
عدم الإستعجال بالردّ
ولذلك قد لا تشهد اجتماعات جامعة الدول العربية بعد غد الخميس الإجماع ذاته ضد سوريا الذي شهدته اجتماعات سابقة، لا بل ان البعض يعتقد ان تأجيل الجواب على الرد السوري على مشروع البروتوكول الذي قدمته الجامعة العربية حول ارسال بعثة المراقبين الى بعد غد الخميس، هو رغبة دول عربية بعينها بعدم الاستعجال في الرد، على رغم من ان هؤلاء المراقبين السياسيين لا يستبعدون في النهاية ان تصدرعن الجامعة قرارات ضد سوريا "إرضاء لصاحب النفوذ الاميركي ولصاحب المال الخليجي".
زوّار دمشق
وإزاء ذلك كله، يقول زوار دمشق، ان القيادة السورية تفاوض بايجابية وكأن الحل سيقع غدا، ولكنها تتصرف بحذر عالٍ وكأن الأزمة ستطول ابدا، وهناك خطط سورية قصيرة المدى وبعيدة المدى تسعى من خلالها مع حلفائها الى تحصين وضعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يبدو أنه سيشهد هجمات متعددة بعد ان يئس اعداء سوريا من امكان اسقاط نظامها بالوسائل المتبعة حتى الآن. وهذا ما يظهره في وضوح الارتباك الواضح في تصريحات المسؤولين الاميركيين، والتناقض في ما بينها خلال ساعات. ففي حين تعلن الناطقة باسم وزارة الخارجية الاميركية مثلا دعوة المسلحين الى عدم تسليم سلاحهم استجابة لنداء السلطات السورية، يخرج مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان، ليعلن ان عسكرة الاحتجاجات تخدم النظام الذي قد يستمر لمدة طويلة.
وفي حين ترد الادارة الاميركية على مخاوف وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف من امكان تدهور الاوضاع في سوريا نحو حرب اهلية، تخرج وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون بعد يومين على تلك التصريحات لتتبنى سيناريو الحرب الاهلية، خصوصا ان المعارضة لديها تسليح وتمويل جيد، ويمكن تصريح كلينتون هذا ان يشكل إخبارا للجنة الوزارية العربية لكي تحقق في مصادر التمويل والتسليح، ولكي تقر بأن العنف في سوريا لا يأتي من طرف واحد كما تقول البيانات الرسمية العربية.
ومن هنا، فإن التحولات السريعة التي شهدتها المنطقة، خصوصا بعد التغيير في مصر، قد تدخل مرحلة جديدة بعد هذا الصدام الدموي بين القوى الامنية والمتظاهرين، الذي يعتقد بعض معارضي المجلس العسكري بأنه بمثابة ثورة ثانية، فيما يقول انصار هذا المجلس ان ما يجري في ميادين مصر هو "محاولة اعادة الامور الى نصابها، وتحرير الثورة من الفوضى والعنف والتطرف"...
لكن الايام القليلة المقبلة ستكون حبلى بالمفاجآت.