صونيا رزق
Kataeb.org
ثمانية وستون عاماً من عمر الاستقلال المزيف ، حقبة مديدة من عمر الوطن الذي يحتفل كل سنة بذكرى استقلاله ، عقود زمنية لم تتخللها صفحات من الاستقرار لا بل من الخوف والقلق على المصير، فبعد كل الحقبات والمحطات التي عايشها لبنان وشعبه من سلسلة احتلالات لم ُتشعرنا في اي يوم ان بلدنا مستقل ، اتى يوم 22 تشرين الثاني ليمثل محطة لإستذكار رحيل آخر جندي فرنسي عن ارض لبنان، فأذا بهذا اليوم وبعد مضي كل تلك السنوات يمثل تحكّماً بلبنان من قبل قوى خارجية اقليمية.
في ذلك التاريخ من العام 1943 بدا لبنان مستقلاً ضمن حدود معترف بها دولياً، لكن وعلى مّر الازمان عانى اللبنانيون من مواجهة المتربصين بوطنهم ومن الطامعين فيه ، وما هي إلا سنوات حتى إستقبل لبنان اللاجئين الفلسطينيين الذين وجدوا في لبنان ملاذاً لهم بعد طردهم من ديارهم، فكان جناحهم العسكري القوة التي عاثت خراباً في لبنان وما زالت، ما جعل تصرفهم وتعديّهم على اللبنانيين يقضي على التضحيات الكبيرة التي قدمها لبنان من أجل القضية الفلسطينية التي افرزت السلبيات تجاه لبنان وشعبه منذ العام 1948 وحتى اليوم ، وتخللها توقيع اتفاقية القاهرة التي شرّعت الوجود الفلسطيني على ارض لبنان.
بعدها كانت ثورة 1958 التي ادت الى انقسام كبير في البلاد بفعل التدخلات الخارجية بلبنان، وقد بلغ هذا الانقسام في البلاد ما بين تيار مؤيد للجمهورية العربية المتحدة، اي وحدة مصر وسوريا بقيادة جمال عبد الناصر، وتيار مؤيد لحياد لبنان بدعم غربي وبتحالف مع العرب المعتدلين .
بعدها توالت الحروب العربية - الاسرائيلية وكان للبنان كالعادة الحصة الاكبر، حرب لبنان في العام 1982 والتي اطلقت عليها اسرائيل اسم عملية "السلام للجليل" التي حوّلت اراضي لبنان أراضيه الى ساحة قتال بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وتعود أسباب هذه الحرب إلى عدد من الأحداث التي جرت في الشرق الأوسط خلال السنين التي سبقتها، من اتفاق القاهرة الذي نظم وجود الفصائل الفلسطينية المسلحة في لبنان الى الحرب اللبنانية في العام 1975.
الى ذلك بدأت المعارك في حزيران 1982 عندما قررت الحكومة الإسرائلية شن عملية عسكرية ضد منظمة التحرير الفلسطينية بعد محاولة اغتيال سفيرها في لندن ، فقامت إسرائيل باحتلال جنوب لبنان بعد ان هاجمت منظمة التحرير الفلسطينية والقوات السوريّة والمليشيات المسلحة التابعة للحركة الوطنية انذاك ، وحاصرت منظمة التحرير وبعض وحدات الجيش السوري في بيروت الغربيّة، وبعدها انسحبت منظمة التحريرمن بيروت وكان ذلك بمعاونة المبعوث الاميركي الخاص فيليب حبيب، وتحت حماية قوات حفظ السلام الدولية بحيث توجه المقاتلون الى تونس ، وعلى الرغم من كل ما جرى ما زال الفلسطينيون يتحكمون بلبنان ورئيسهم يردّد بأن الفصائل الفلسطينية تتبع النظام اللبناني وقوانينه ، لكن "خيرات" المخيمات الفلسطينينة ما زالت مخيمة على لبنان وآخرها كان مخيم نهر البارد .
إشارة الى ان كل هذا السرد التاريخي هو للتذكير بأن لبنان لم يكن في اي حقبة مستقلاً بل كان دولة تابعة للخارج وارضاً مستباحة للكل بحيث تدفع دائماً ثمن اخطاء الغير وتتحمل نتائجها.
والى ذلك نؤكد بأننا لم ننس بعد كلبنانيين فترة الاحتلال السوري الذي بقي ما يقارب الثلاثين سنة في لبنان ، كما لم ننس مقولة : شعب واحد في دولتين ووحدة المصير والمسار، فكانت النتيجة سيطرة سوريا على لبنان سياسياً وعسكرياً، ثلاثون سنة من الاحتلال السوري للبنان انتج اصعب المراحل لينسحب هذا الاحتلال في العام 2005 عسكرياً، لكن الوصاية السياسية ما زالت قائمة خصوصاً ان هناك قوى لبنانية ما زالت تابعة لسوريا وتنطق بإسمها وتدافع عنها اكثر من السوريين.
إزاء كل هذا التاريخ الذي عايشه لبنان وما زال لا يسعنا إلا ان نسأل: كيف يحتفلون بالاستقلال وما زالت الوصاية السورية قائمة كما في الماضي؟، وكيف يحتفلون وما زال عدد كبير من المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، ومن بين هؤلاء جنود وضباط تم أسرهم في 13 تشرين الأول من العام 1990 ؟، وكيف يحتفلون وما زال الإستقلال الحقيقي بعيداً كل البعد عن اللبنانيين؟ ، وما زالت ميليشيا مسلحة تملك سلاحاً غير شرعي وتستبد باللبنانيين وتهددهم بوجودهم ساعة تشاء وتمنع الاجهزة الشرعية من بسط سلطة الدولة على كامل الاراضي اللبنانية في ظل وجود مربعات امنية؟، كيف نحتفل بالاستقلال وما زال نصف السياسيين اللبنانيين تابعين لقوى خارجية وما زال ساحة مستباحة للصراعات الاقليمية ولأوامر السفراء الذين يتدخلون في كل شاردة وواردة، فبعد كل هذا هل ما زال لدينا الحماس للاحتفال بهذا العيد ...؟!