عمر نشابة
الأخبار
رفعت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أمس مستوى الضغط على لبنان من خلال تهديدات أطلقها رئيس المحكمة، الذي توعد لبنان بعقوبات إن رفض التمويل، ومن خلال تسليم قضاة غرفة الدرجة الأولى بتشكيك المدعي العام الدولي بصدقية تقارير المدعي العام اللبناني
"إن هدف زيارة رئيس المحكمة الخاصة بلبنان، القاضي دايفيد باراغوانث، لبيروت غير مرتبط بقضية التمويل»، قال أمس المتحدث الرسمي باسم المحكمة مارتن يوسف لـ«الأخبار» عبر الهاتف من لاهاي، مخالفاً توقعات إعلامية سبقت الزيارة وسط احتدام التجاذب الداخلي بشأن تسديد لبنان 49 بالمئة من نفقات المحكمة بحسب ما يقتضيه قرار مجلس الأمن 1757/2007. «هذا الموضوع قد يطرح خلال الاجتماعات التي يعقدها الرئيس بالمسؤولين اللبنانيين، لكن غاية الزيارة هي للتعارف، وكان إجراؤها قد تقرر منذ توليه رئاسة المحكمة في تشرين الأول الفائت»، أضاف يوسف. ولدى سؤاله عمّا إذا كانت الحكومة اللبنانية تتعاون مع المحكمة، أجاب: «طبعاً وبنحو مطلق» (ABSOLUTELY)، مشيراً إلى أن «الحكومة اللبنانية تتعاون بشأن الإجراءات الأمنية وإحالة السلطات اللبنانية الملفات القضائية في القضايا المرتبطة على لاهاي بالسرعة المطلوبة». لكن ما نقل عن لسان الرئيس دايفيد باراغوانث أمس في بيروت لم يكن بهذا المستوى من الإيجابية، بل تضمّن تهديداً مبطّناً باللجوء إلى مجلس الأمن إذا لم يموّل لبنان المحكمة الدولية، وتلميحاً بعقوبات قد يفرضها المجلس على اللبنانيين. فبحسب مصادر لبنانية شاركت في الاجتماعات التي عقدها باراغوانث أمس، قال رئيس المحكمة كلاماً واضحاً وبصراحة: على لبنان أن يسدد الحصة الواجب عليه تسديدها من نفقات المحكمة، ليتجنب إحالة الملف على مجلس الأمن وفرض عقوبات على لبنان.
وكان باراغوانث قد وصل إلى بيروت أول من أمس برفقة نائبه القاضي اللبناني رالف الرياشي، في زيارة هي الأولى له للبنان وستدوم أسبوعاً. والتقى أمس رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي الذي جدد أمامه «تأكيد احترام لبنان للقرارات الدولية، ومنها القرار 1757 المتعلق بالمحكمة الدولية»، مشيراً إلى أن عمل المحكمة يجب أن «يبقى في إطاره القانوني بعيداً عن الاستنسابية أو الاستخدام السياسي، مع الأخذ في الاعتبار ملاحظات البعض على جوانب معينة تتعلق بملف المحكمة ككل».
وكان مكتب المدعي العام في المحكمة الدولية، دانيال بلمار، قد اتهم مسؤولين في حزب الله بالضلوع في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري من دون أن يحقق في احتمال ضلوع إسرائيليين فيها. أما بشأن الاستخدام السياسي للمحكمة، فبرز أخيراً تزامن مشبوه بين بعض الخطوات التي اتخذها بلمار واستحقاقات سياسية في لبنان والمنطقة. وكان بلمار قد عبّر عن مواقف بدا فيها انحيازه واضحاً إلى فريق من اللبنانيين على حساب آخر. أما إشارة ميقاتي إلى «ملاحظات البعض»، فالمقصود بها الملاحظات التي عبّر عنها في العموم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والتي شرحها العضو السابق في المجلس الدستوري، البروفيسور سليم جريصاتي، في مؤتمر عُقد في مجلس النواب في آب الفائت. لكن ميقاتي أكد بوضوح، إثر لقائه باراغواناث، أنه يتابع «السبل الآيلة إلى إنجاز الملف المتعلق بحصة لبنان من تمويلها، تمهيداً لاتخاذ القرار المناسب في شأنه ضمن المهلة القانونية اللازمة». وبالمقابل، لفت باراغوانث في ما بدا رداً على كلام ميقاتي إلى أنه «مضى أحد عشر شهراً على استحقاق تسديد لبنان حصته من تمويل المحكمة لعام 2011» (بحسب الوكالة الوطنية للإعلام).
وخلال لقائه وزير الخارجية والمغتربين عدنان منصور، أعلن باراغواناث، (كذلك بحسب الوكالة الوطنية للإعلام)، في ما بدا أنه تهديد مبطن باللجوء إلى مجلس الأمن لاتخاذ إجراءات بحقّ لبنان في حال عدم التمويل، أن إمرار التمويل «يجنّب ذهاب هذا الملف إلى مجلس الأمن».
هذا التهديد المبطن بدا مخالفاً للتوقعات؛ إذ إن المحكمة كانت قد أصدرت بياناً تضمّن تصريحاً للرئيس باراغوانث جاء فيه: «يشرّفني أن أزور بلداً يتمتّع بهذا الإرث الثقافي والقانوني العريق». لكن يبدو أن هذه الكلمات بقيت فارغة المضمون؛ إذ بدا أن من غير المسموح على بلد صاحب «إرث ثقافي وقانوني عريق» أن يعارض تنفيذ قرار دولي يجرّده من سيادته ويضرب بدستوره الوطني عرض الحائط.
تشكيك بالمدعي العام اللبناني
قرّرت غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أمس «انتظار ردّ السلطات اللبنانية بشأن جهودها المبذولة في سبيل توقيف المتهمين قبل بتّ مسألة الشروع في إجراءات المحاكمة غيابياً». وطلبت الغرفة التي يرأسها القاضي روبرت روث وتشارك في عضويتها القاضية اللبنانية ميشلين بريدي، من المدعي العام دنيال بلمار «إيداع تقرير مرحلي عن ردّ السلطات اللبنانية في هذا الشأن، وذلك في موعد أقصاه 8 كانون الأول المقبل».
وكان مكتب بلمار قد شدد على ضرورة استدعاء المدعي العام لدى محكمة التمييز اللبناني القاضي سعيد ميرزا إلى لاهاي للاستماع إلى إفادته بشأن التدابير التي اتخذها لتنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة بحقّ أربعة أشخاص ينتمون إلى حزب الله اتهمهم بلمار بالضلوع في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. حصل ذلك خلال التئام غرفة الدرجة الأولى في لاهاي في 11 تشرين الثاني الجاري.
قرار غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الدولية أمس بدا تكريساً لأحد وجوه الاستعمار القضائي الدولي للبنان؛ إذ إن القاضي ميرزا كان قد أودعها ثلاثة تقارير مفصّلة شرح فيها الإجراءات التي اتخذت لتوقيف المتهمين، لكن بلمار شكّ في مضمونها عبر ذكره أنها «تدلّ على أن السلطات اللبنانية لم تتخذ كل التدابير المعقولة لتوقيف المتهمين»، وبالتالي قرّر قضاة غرفة الدرجة الأولى الأخذ بشكّ بلمار.