اميل خوري
النهار
عندما كان الدستور اللبناني يمنح رئيس الجمهورية صلاحية تعيين الوزراء وتسمية رئيس للحكومة من بينهم ويقيلهم ويولّي الموظفين مناصب الدولة (المادة 53) كان الرئيس هو المسؤول عن نجاح الحكومة او فشلها، وكانت انجازات عهده تنعت به، فوصف عهد الرئيس بشارة الخوري بعهد الاستقلال وعهد الرئيس كميل شمعون بعهد الازدهار وعهد الرئيس فؤاد شهاب بعهد الاصلاح... وهكذا دواليك.
وعندما جرى تعديل الدستور في الطائف وأخذت منه هذه الصلاحية، صار تشكيل الحكومة مرتبطاً بالاتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المكلف، وكذلك قبول استقالة الوزراء أو اقالتهم.
واصبح تشكيل الحكومة مسؤولية مشتركة بينهما بموجب دستور الطائف لم يعد في امكان أي منهما التفرد في تشكيلها، لأن فشل الحكومة هو فشل كليهما ونجاحها هو نجاح لكليهما. فكما يحرص الرئيس المكلف على اختيار الوزراء الاكفاء والناجحين، ليضمن ثقة الناس بها قبل النواب، فإن رئيس الجمهورية يحرص ايضاً على ذلك، باعتبار أن الحكومات بموجب دستور الطائف باتت تشكل خط الدفاع الاول عن رئاسة الجمهورية. فإذا فشل وزير الداخلية مثلاً في مهمته ولم يكن هذا الوزير من اختيارهما، فإن البلاد بأسرها قد تتحمل عواقب هذا الفشل فضلاً عن العهد نفسه عندما يهتز حبل الأمن ويتزعزع الاستقرار. وعندما يفشل وزير المال في ادارة أموال الخزينة العامة وفي رسم سياسة مالية سليمة، فإن الاوضاع المالية والاقتصادية والمعيشية تتعرض للتدهور والانهيار. وحين يفشل وزير الخارجية في اقامة أفضل العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة، فإن هذا الفشل ينعكس على الداخل اللبناني ويثير الخلافات والانقسامات. وعندما لا يكون وزير العدل عادلاً ومستقلاً ويضع ميوله السياسية والحزبية جانباً، فلن يكون القضاء مستقلاً ولا عادلاً. ولأن رئيس الجمهورية يحرص على نجاح عهده من خلال الحرص على تشكيل حكومات توحي الثقة للجميع وفيها كفايات تضمن تحقيق هذا النجاح، وكذلك الامر بالنسبة الى رئيس الوزراء المكلف، فإن الحرص المشترك على تحقيق النجاح يجعلهما يتعاونان على اختيار افضل الوزراء او اكثرهم كفاية وجدارة وشفافية، وتقديم هذه الصفات على ما عداها من سياسية او صداقات شخصية، ولا يكون هذا التأليف قد اعتمد المحاصصة بل الكفاية والخبرة والسمعة الطيبة.
ومن جهة اخرى، فانه اذا كان للحكومة بيانها الوزاري الذي تلتزم تنفيذه والوفاء بوعودها للنواب والشعب، فكيف لرئيس الجمهورية الذي اقسم وحده على احترام دستور الأمة اللبنانية وقوانينها وحفظ استقلال الوطن وسلامة اراضيه، وهو الذي يرئس المجلس الاعلى للدفاع والقائد الاعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء، كيف له ان يقوم بكل ذلك اذا لم يكن يثق بأعضاء الحكومة ولاسيما منهم من يتولى الوزارات المهمة مثل الداخلية والدفاع والمال، ليكون عهده عهد امن وامان واستقرار وازدهار؟ وكيف لرئيس الجمهورية ان يجعل الحكومة تتوجه في سياستها العامة في ضوء ما تضمّنه خطاب القسم الذي دعا فيه السياسيين والمواطنين الى التزام مشروع وطني وان يكون الخلاف السياسي حافزاً لتحقيق التوازن المطلوب في ما بين الصلاحيات والمسؤوليات، مما يمكن المؤسسات بما فيها رئاسة الجمهورية من تأدية الدور المنوط بها؟ كما دعا فيه الى حماية خيار اتفاق الطائف الذي ارتضاه اللبنانيون ميثاقاً والى اقرار قانون انتخابي يؤمن صحة التمثيل ويرسّخ العلاقة بين الناخب وممثله ويكفل ايصال خيارات الشعب وتطلعاته. وشدد فيه على استقلال السلطة القضائية لتكريس العدالة، وعلى اشراك الشباب في العمل بالادارات العامة، وعلى تنمية الاقتصاد عبر تشجيع الاستثمارات والانتاج الزراعي والصناعي وتطبيق الانماء المتوازن واللامركزية الادارية الواسعة. فأنّى لرئيس الجمهورية ان يحقق اهم ما جاء في خطاب القسم والحكومة ما جاء في بيانها الوزاري اذا لم يكن له رأي في اعضائها وحكم على كفاية وشفافية تعيين الوزير المناسب في الوزارة المناسبة؟ فكما ان الحكومات التي تألفت من اضداد ومتخاصمين ولكل منهم سياسته ورؤيته في المواضيع المهمة، كانت حكومات فاشلة، فان حكومات تتألف من دون اتفاق على تأليفها بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المكلّف او بينهما من جهة، وبين القوى السياسية الاساسية في البلاد من جهة اخرى، فانها تكون حكومات فاشلة حتماً، فالشرط الاول للنجاح هو التعاون الصادق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وبالتالي بينهما وبين اعضاء الحكومة والنواب لتصبح الانجازات قوة للحكومة والحكم، وثقة الشعب بها اقوى من اي ثقة.