منذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا، في 15 آذار الماضي، التزمت الجماعة الإسلامية في لبنان الصمت حيال ما يجري لدى الجارة الكبرى، وإنْ لفت أنظار المراقبين تعاطف «ضمني» لوسائل إعلامها (إذاعة «الفجر» وجريدة «الأمان» الأسبوعية) مع تلك التحركات، من غير أن يسقط ضمن تلك التغطيات الإعلامية توجيه انتقادات مبطّنة للنظام السوري، التي حاول البعض داخل الجماعة تفسيرها بأنها تأتي ضمن سياق العمل الإعلامي المهني البحت، وأنه إذا ما وُجدت هذه الانتقادات، فهي تندرج ضمن إطار توجيه النصح ليس إلا.
موقف الجماعة الإسلامية من الأحداث الجارية في سوريا بقي منسجماً مع التوجّه العام للقيادة العامة للإخوان المسلمين في العالم، التي تعدّ الجماعة الإسلامية جناحها اللبناني، إذ كانت مقاربتها لما يجري في سوريا مقتصرة على عنصري المتابعة والمراقبة، على عكس إخوان سوريا الذين أدلوا بدلوهم مباشرة منذ اليوم الأول، انطلاقاً من مبدأ أن أهل مكة أدرى بشعابها، وأنه يحق لهم في هذا المجال ما لا يحق للآخرين من أجنحة الإخوان المسلمين على امتداد العالم.
غير أن تدخّل الإخوان المسلمين في الشؤون السورية لم يقتصر على جناحهم السوري دون سواه، رغم ما يمثّله ذلك من حساسية معروفة لدى النظام لدى قيام الإخوان بأي تحرك ولو كان شكلياً، إذ بعد مرور 11 يوماً على اندلاع الاحتجاجات في مدينة درعا، أطلّ الشيخ يوسف القرضاوي، الشخصية الدينية البارزة المحسوبة على الإخوان، ليعلن في خطبة جمعة ألقاها في قطر ونقلتها قناة «الجزيرة» مباشرة على الهواء، دعمه للتظاهرات التي تشهدها سوريا، معتبراً أن «قطار الثورات وصل إلى محطتها»، وأن «سوريا مثل غيرها، بل هي أولى من غيرها بهذه الثورات»، قبل أن يضرب على وتر حساس للغاية لدى القيادة السورية، عندما أشار إلى أن مشكلة الرئيس السوري بشار الأسد، رغم تنويهه به كـ«مثقف وشاب ويمكنه أن يعمل الكثير»، هي أنه «أسير حاشيته وطائفته».
هذا التطوّر اللافت في علاقة النظام السوري بالإخوان المسلمين المتأزمة منذ أحداث مدينة حماة عام 1982، جعل العلاقة بين الطرفين تخرج عن نطاقها المحلي، ودفعها إلى أن تكون مفتوحة على أكثر من ساحة، ومنها الساحة اللبنانية، إذ أعلنت الجماعة الإسلامية أنها، للمرة الأولى منذ بداية الاحتجاجات في سوريا، ستنظم بعد صلاة مغرب هذا اليوم، بدعوة من قطاع الشباب والناشئة فيها، «لقاءً تضامنياً مع العلامة الدكتور يوسف القرضاوي وثورات الشعوب العربية».
ويأتي هذا التحرك في موازاة قيام لجنة إدارة الكوارث في جهاز الطوارئ والإغاثة التابع للجمعية الطبية الإسلامية، التابعة للجماعة الإسلامية، نهاية الأسبوع الماضي، بزيارة ميدانية لافتة للمنطقة الحدودية الشمالية. وقد شملت قرى وادي خالد، مشتى حسن، مشتى حمود، البقيعة والعريضة، اطّلعت خلالها على أوضاع النازحين الذين قدموا من سوريا، والتقت عدداً من رؤساء بلديات المنطقة ومخاتيرها، وعلى ضوء ذلك تقرر إرسال عيادة جوالة لمعاينة المرضى وتقديم العلاج والدواء، على أن تتبعها خطوات لاحقة حسب الحاجة.
هذه المقاربة المستجدة من قبل الجماعة الإسلامية لما تشهده سوريا من أحداث، دفعت إلى بروز حراك داخلي فيها يدعو إلى بلورة موقف واضح ممّا يحصل، يقوم على ركيزتين هما: الأولى إيجاد حدّ أدنى من الانسجام بين موقفها وموقف القيادة العالمية للإخوان. والثانية الحفاظ على هامش من الخصوصية اللبنانية ـــــ السورية في التعاطي مع ملف حساس كهذا.
أصحاب النظرة الأولى ينطلقون من اقتناع تكوّن لديهم بأنه يجب أن تتلاقى خطوات الجماعة في لبنان مع مثيلاتها من فروع الإخوان في العالم التي تعاطفت مع الحراك السوري، وخصوصاً بعد المؤتمر الذي عقد في تركيا أخيراً دعماً لتحرك الشعب السوري، وشاركت فيه بفاعلية وجوه إخوان سوريا، وما سبقه من عقد مسؤول إخوان سوريا في الخارج، محمد رياض الشقفة، مؤتمراً صحافياً في مدينة إسطنبول لهذه الغاية، فضلاً عن بداية «تحرر» الإخوان في مصر من قيود النظام السابق، وتوجههم إلى خوض انتخابات نيابية يبدو أنهم الطرف الأقوى فيها.
غير أن أصحاب النظرة الثانية داخل الجماعة يبدون متحفّظين على تحرك كهذا، انطلاقاً من تجارب الماضي، إذ يرون أن الغموض ما زال مسيطراً على مصير «الثورات» و«الحراك الشعبي» في أغلب بلدان المنطقة، وأن «استغلال انتكاسة النظام السوري بهذه الطريقة ليس حكيماً ولا منطقياً، ويُعدّ مغامرة غير محسوبة، إذ مثلما هناك ملاحظات على أدائه، فإنه كان الوحيد الذي رعى حركات المقاومة الإسلامية في المنطقة وحماها خلال الفترة السابقة، وعلى رأسها حركة حماس، وردّ الجميل لا يكون بهذه الطريقة»
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك