ناصر زيدان
الأنباء الكويتية
مما لا شك فيه أن الوضع الحالي الذي يمر به لبنان هو وضع استثنائي، يشبه الوقت الضائع بين مرحلتين. مرحلة سقطت مبررات وجودها، ولم يعد بالإمكان إحياؤها الى زمن طويل. ومرحلة جديدة لم تتكون معالمها بعد، وهي لم تُولد من رحم أحداثها حتى هذه اللحظة.
وتتقاطع معلومات من مصادر مختلفة في كون تداعيات الاحداث ومندرجاتها، واستحقاقات المرحلة السياسية المقبلة، تتطلب معالجات مختلفة عن المعالجات السابقة. وفي أن الملفات المطروحة أمام الحكومة اللبنانية تحتاج الى عناية استثنائية في معالجتها، وقدر عال من المرونة، ومساحة أوسع من التسامح، قد لا يكون في مقدور بعض الشركاء في هذا الائتلاف تقديمها، لمجموعة من الاعتبارات الذاتية والخارجية.
نقاط التباين على الملفات المطروحة كبيرة ومهمة. تبدأ بموضوع تمويل المحكمة الدولية، مرورا بالموقف من الاحداث في سورية، وصولا الى مواضيع التعيينات الادارية وتمويل مشاريع الوزارات وقانون الانتخاب. وكل من هذه النقاط قادرة على أن تكون «القشة التي قصمت ظهر البعير» وبالتالي أن تؤدي الى انفراط العقد الحكومي.
من حق قوى 14 آذار ـ وعلى وجه التحديد تيار المستقبل ـ أن يكون شعارهم الاساسي إسقاط الحكومة، لأنها جاءت رغما عن إرادتهم (أو بانقلاب عليهم)، برغم أن استمرارها في هذه المرحلة لا يصيبهم بضرر ـ خاصة على المستوى الشعبي ـ لأن معظم قواعدهم لا ترتاح الى الخلاصة التي تهدف اليها بالمحصلة سياسة الحكومة، لاسيما فيما يتعلق بالسلاح، وبالعلاقات الخارجية.
رغم كل ذلك، هل المصلحة الوطنية تستدعي إسقاط الحكومة؟
المعطيات المتوافرة تؤكد أن هناك شبه استحالة لتشكيل حكومة جديدة، لمجموعة من الاعتبارات، لعل أهمها:
أولا، لأن الحكومة الجديدة مفترض أن تكون حكومة وحدة وطنية ـ بعد التجربة غير المواتية لحكومة الأكثرية الحالية ـ وحكومة من هذا الصنف متعذر الوصول اليها، اذا لم يكن مستحيل في هذه المرحلة الرمادية بالذات، وقبل أن تنجلي الأحداث المتسارعة في المنطقة.
ثانيا، ان حكومة أكثرية ـ بسيطة ـ من أي من الفريقين المتخاصمين على الساحة السياسية، ستعيد إنتاج مشكلات وقعت فيها الحكومة الحالية، وربما توصل البلاد الى حافة الحرب الداخلية.
ثالثا، لأن الرئيس سعد الحريري (المفترض عودته على رأس الحكومة الجديدة)، ليس قادرا على تشكيل حكومة في هذا الوقت بالذات، وقبل أن تنجلي الأوضاع في سورية، لأن القيادة الحالية في دمشق، سترمي بكل ثقلها السياسي والأمني لكي تمنعه من العودة على رأس الحكومة ـ لأنه جاهر بالعداء لها ـ وحكومة جديدة من دون الرئيس سعد الحريري، لا معنى سياسي لها، ولن تُحدث أي تحول في مسار المرحلة.
لهذه الأسباب، ونظرا للاستحقاقات الداهمة على لبنان، لاسيما في المجالين الأمني والاقتصادي، فإن أي مغامرة تقود الى استقالة الحكومة، سواء كان الأمر يدفع رئيسها لتقديم استقالته، أو باستقالة عدد من الوزراء، أو عن طريق حشرها في الشارع، سيكون مغامرة غير محسوبة، لأي من الأطراف السياسية التي يمكن أن تكون وراء هذا العمل، والجميع بدون استثناء، سيدفعون ثمن إسقاط الحكومة.
ان لبنان بدون حكومة ـ أو بحكومة تصريف أعمال ـ لا يستطيع أن يقف على رجليه في هذه المرحلة الضبابية بالذات، والفراغ سيؤدي الى فوضى، والى استقدام كل أنواع التسيب، الذي قد يفلت من كل الضوابط والحدود.