لم تكن تلك السيدة العرساليّة التي رفعت عصاها بوجه بعض النازحين السوريين خلال "غزوة آب" تدرك أنها ترسم خطاً أساسياً في المشهد العرسالي الجديد.
يومها، هال أم محمد الحجيري، المرأة التسعينية، أن تخرج النازحات السوريات، جاراتها، ليزغردن وينثرن الورود على المسلحين لحظة كانوا يحتفلون باستيلائهم على آلية للجيش اللبناني. رفعت عصاها التي تتكئ عليها، ولحقت بهن بهامتها المسنة: "طلعوا من ضيعتنا ومن بيوتنا، هودي جيشنا وأولادنا، وهيدي بلدتهم"، تقول "ام محمد" لـ "السفير" من على مصطبة دارها في قلب عرسال اليوم.
لم تكن "أم محمد" وحدها التي صحت على الصفعة الذي تلقاها العراسلة من أولئك الذين فتحوا لهم منازلهم، وتقاسموا معهم لقمة العيش. يومها كان تعداد النازحين في عرسال وجرودها قد قارب ثلاثة أضعاف سكان بلدة الأربعين الف نسمة.
عرسال كلها، باستثناء قلة قليلة، أدركت كما "ام محمد" أن أولئك "الثوار"، ليسوا كذلك، وأن الذين احتلوا البلدة قبل وصول "النصرة" و"الدواعش" من الجرود، خرجوا من منازل قدمت لهم، ومن مخيمات بنيت على أراض تبرع بها أهلها. كانت عرسال البلدة شبه الوحيدة في لبنان التي لم تطلب مقابلاً ممن تعاملت معهم كـ "ضيوف".
في آب 2014، أخرج بعض هؤلاء سلاحهم ووجهوه إلى صدر عرسال. بعدها صارت حوادث الإعتداءات من قتل وخطف وتنكيل ضد أبناء البلدة "شربة مي" بالنسبة الى المسلحين. قتل هؤلاء، على سبيل المثال لا الحصر، خلال رمضان الماضي مصطفى عزالدين على سجادة الصلاة وقبل أن ينهي صيامه بحبة تمر. يومها خرج "الدواعش" يكبّرون ويطلقون النار في ليل البلدة المسلوبة. هم أنفسهم قتلوا قبل اربعة ايام محمد عز الدين (23 عاماً) ابن مصطفى في جرود البلدة.
ورمضان اليوم ليس بعيداً عن سالفه. يروي أحد أبناء عرسال لـ "السفير" كيف خطف المسلحون صاحب بستان كرز في الجرد عندما حمل عائلته لقطف موسمه. قال الرجل لمن نهاه عن الذهاب إلى معاقل المسلحين في الجرد المحتل "رح يموتوا أولادي من الجوع، الموت واحد بالحالتين".
اليوم لا أحد يعرف عن هذا المزارع شيئاً بعدما خطفه المسلحون عندما قال لهم "هذه أرضي، أنا لم اعتد عليكم". وفي عرسال، ثمّة احصاء عن ثلاثين عرساليا قتلوا من آب 2014 حتى يومنا هذا اما على أيدي الارهابيين أو في خضم معركتهم مع الجيش اللبناني.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك