عندما فجّر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قنبلته التلفزيونيّة، قبل تسعة أيام، بإعلان نيّته الاستقالة، كان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط يتمشّى في شوارع بروكسل. من اتصل به لم يلمس لديه شعوراً بالخوف الكبير على حكومة ميقاتي. كان يُشير إلى أمور كثيرة يُمكن القيام بها لتجاوز قطوع التمويل. وبالفعل، حصل التجاوز. أيّام الترقّب اللبنانيّة أمضاها زعيم جبهة النضال في بروكسل في وداع صديقه، رئيس الحزب الاشتراكي الأوروبي رئيس الدنمارك السابق، بول راسموسن الذي زار المختارة مراراً «ووقف إلى جانب الحزب التقدمي الاشتراكي في 14 آذار 2005 ودعم قيام المحكمة الدوليّة في المحافل العالميّة». ومن بروكسل إلى باريس، حيث أمضى جنبلاط معظم وقته في منزله، كما يقول، مؤكّداً أنه لم يلتقِ الرئيس سعد الحريري، رغم وجود الأخير في العاصمة الفرنسيّة، كما لم يلتقِ أياً من المسؤولين الفرنسيين، ولذلك فهو لا يملك أجوبة عمّا يدور في رأس الفرنسيين بالنسبة الى سوريا.
عن سبب عدم لقائه بالحريري، يُجيب جنبلاط ببساطة: «لم أطلب موعداً، ولا هو طلب»، بما يوحي أن رئيس الحكومة السابق ينتظر طلباً من جنبلاط لتحديد موعد. زعيم المختارة يؤكّد «أنني لن أطلب اللقاء لأنني جزء من التحالف العريض مع الرئيس ميقاتي»، علماً بأنه أعلن أخيراً أن عودة العلاقة مع أعضاء اللقاء الديموقراطي ليست خطوة لإعادة إحياء هذا التحالف السياسي، بل هي «علاقات شخصيّة لن تُفسدها السياسة».
يُكرّر جنبلاط أنه «باقٍ مع ميقاتي»، ويقول إن الرئيسين ميقاتي ونبيه بري قاما بعملٍ ممتاز. ويردّ على من يقولون إنه بدأ بتغيير تحالفاته السياسيّة بعبارة واضحة: «لن أغامر بتغيير تحالفاتي»، مؤكداً أنه «مؤمن» بهذا التحالف، «آخذاً في الاعتبار تحفظات حزب الله، ودور السلاح على الحدود الجنوبيّة لقتال إسرائيل»، ومشيراً إلى أن «البعض بات ينسى إسرائيل».
وقد أصدر جنبلاط بياناً أمس رأى فيه أن تمويل المحكمة خطوة «استثنائيّة لميقاتي تهدف إلى الحفاظ على الحكومة، في ظلّ هذه اللحظة الإقليميّة الحرجة التي تتطلب من اللبنانيين جميعاً التحلي بالعقلانية والهدوء بدل التلهي بالحسابات الخاصة، كما عبّرت بعض ردود الفعل على التمويل من بعض الأصوات في المعارضة». ورأى أن «المخرج الذي جرى التوصل إليه يسهم في الحدّ من حالة الاحتقان الداخلي التي شهدها لبنان خلال المرحلة الماضية، ونأمل أن يؤسس لمرحلة جديدة من العمل الحكومي الفاعل الذي يتخطّى التجاذبات والمصالح الضيقة، ويذهب في اتجاه معالجة مشاكل الناس وشؤونهم الاجتماعيّة والمعيشيّة والاقتصاديّة».
برأي جنبلاط، تمويل المحكمة خطوة إيجابيّة لتجنيب لبنان تداعيات ما يجري في المنطقة، وتحديداً في سوريا. ويتحدّث عن شعور لديه بأن «بعض الجهات السياسيّة تأخذ البلد في سياقات مؤذية». ولكن ما لا يقوله جنبلاط مباشرةً، يُعبّر عنه بعض مسؤولي الحزب التقدمي الاشتراكي الذين يقولون إنه بات واضحاً أن البعض في قوى 14 آذار يرى أن سقوط النظام السوري يعني انهيار حزب الله وتسليم سلاحه في اليوم التالي، مشددين على «الخطورة البالغة» التي ينطوي عليها ذلك.
موقف زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي من الأوضاع في سوريا باقٍ على حاله. فهو لا يزال يتخوّف من الحلّ الأمني «الذي يأخذ سوريا إلى فتنة داخليّة طائفيّة» على ضوء متابعته بعض وسائل الإعلام الأجنبيّة التي تنقل ما يجري في مدينة حمص، والذي ينبئ ببداية الفتنة. ويُذكّر بأنه رفض من راشيا سعي البعض في لبنان إلى تسليح دروز سوريا، وبأنه حذّر من أي فتنة سنيّة ـــ درزيّة في سوريا. وهو يُردّد مراراً أن ما يهمّه وما يعنيه هو سوريا ووحدة أرضها وشعبها، «فأحزان سوريا من أحزاننا».
لا يزال جنبلاط متمسّكاً بالمبادرة العربيّة التي تبنّاها مؤتمر الدول الإسلاميّة، ويدعو إلى حوار داخلي في سوريا للاتفاق على المرحلة الانتقاليّة، «وليكن هذا الحوار برعاية الدول الصديقة لسوريا». وهو يتوجّه إلى هذه الدول، وتحديداً روسيا وإيران، «ومن يرسل السفن إلى سوريا»، بسؤال عن «كيفيّة الحفاظ على الوحدة الوطنيّة السوريّة وإخراجها من الفتنة». ويُكرّر رفضه للتدخّل الأجنبي «المرفوض بالكامل». يُدرك جنبلاط أن النظام لن يُسلّم السلطة هكذا، لذلك يطرح الحوار منطلقاً لمرحلةٍ انتقاليّة، مقرّاً بأن هذا الطرح «ليس شعبياً لدى المواطن السوري، لكنني أقرأ ميشال كيلو وأستفيد منه. هو واقعي، على رغم أنه بات مرذولاً من قبل البعض في سوريا».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك