يصل مساعد وزيرة الخارجية الاميركية جيفري فيلتمان الى لبنان في زيارة تهدف الى تأمين «مساندة» لبنانية للعقوبات التي اعلنتها جامعة الدول العربية بحق سوريا.
لكن المسؤول الاميركي والذي عرف بتشدده تجاه النظام العربي منذ كان سفيرا لبلاده في بيروت يشعر بأن زيارته لن تحقق الكثير، لا بل ان نتائجها ستكون متواضعة بعدما ظهر التصدع العربي حيال تطبيق هذه العقوبات ما يجعلها آيلة للاندثار.
وجاءت الضربة الاقوى من الاردن تحت ذريعة الازمة الاقتصادية التي تخنق عجلة الحياة العامة ما يهدد الدورة الاقتصادية في البلاد في حال تطبيق هذه العقوبات.
وسادت التوقعات لدى الاوساط العربية بأن احجام الاردن عن المشاركة في التطبيق يجعل العقوبات من دون فائدة على سوريا في ظل حدود مفتوحة مع العراق ومع لبنان واقتصار التشدد على الحدود التركية.
في اي حال فإن اوساطا ديبلوماسية اميركية كانت قد ابدت تحفظها على الاندفاعة التي قادتها فرنسا تجاه سوريا ومعها الدول العربية الخليجية.
وهذه الاوساط كانت واثقة ان النظام ما يزال يمتلك اوراق قوة في الداخل وسط تشرذم اطياف المعارضة ومحدودية امكاناتها وجنوحها نحو العنف، ما يعني ان الاتجاه بات اقرب الى حرب داخلية منه الى تغيير على مستوى السلطة وهو ما يتعارض مع الاستراتيجية الاميركية للمنطقة كونه سيفتح باب تغيير الحدود القائمة حاليا وبالتالي الدخول في اتون الفوضى وتصاعد القوة المسلحة للمتطرفين.
لذلك غابت واشنطن بعض الشيء عن مسرح الاحداث السورية خلال المرحلة الماضية تاركة القيادة لباريس وحتى في الداخل الفرنسي ترك قصر الاليزيه لوزير الخارجية الان جوبيه مهمة الهجوم كي يحمله نتائج الفشل في حال حصول ذلك وهو ما بدأ يلوح في الافق.
واسباب التعثر كثيرة وعديدة بعضها داخلي سوري ولكن بعضها الاخر وهو الاهم يتعلق بالتوازنات والحسابات الاقليمية.
فالصورة التي رست عليها مصر بعد الثورة لا سيما اثر الانتخابات عززت مخاوف اسرائىل من مرحلة مضطربة في علاقتها مع القاهرة. لذلك فهي ابدت اعتراضها الشديد على دخول اي قوات اجنبية الى سوريا ولا سيما تركية كي لا يزيد منسوب الخطر الاستراتيجي الذي يهدد مستقبلها.
لا بل انها بدت قلقة من اقتراب الوضع في سوريا باتجاه الاقتتال الداخلي ما يؤسس لوضع غير مستقر على حدودها الشمالية ويتماهى مع واقع ضبابي عند حدودها الجنوبية.
وتروي الاوساط الديبلوماسية ان اسرائىل والتي تحظى بتنسيق قوي مع الاردن شجعت عمان على عدم الإلتزام بالعقوبات العربية المعلنة. كذلك تروي الاوساط الديبلوماسية ان تل ابيب التي ما برحت تنقل توجسها الى واشنطن، عمدت الى زيادة مستوى التنسيق مع موسكو حول الوضع في سوريا والشرق الاوسط.
ويجمع المراقبون على تفسير الاعلان الروسي المزدوج ناحية سوريا، من خلال زيارة حاملة طائرات لميناء طرطوس بالترافق مع رسو عدة قطع بحرية لتفريغ حمولة معدات عسكرية متطورة لمنظومة الدفاع الصاروخي المتطورة اس - 300 بطوقمها التقنية، ما يسمح بتغطية كامل الساحل السوري من اي هجوم بحري، بأنه اشارة روسية واضحة، وحسم لخيارها نهائيا بالتموضع الى جانب النظام السوري.
وصحيح ان حاملة الطائرات الروسية «الادميرال كوزينتسوف»، هي من طراز مختلف عما يقابلها من ترسانة البحرية الاميركية من حاملات الطائرات، او حتى تلك التي تعود لسلاحي البحرية الفرنسي والبريطاني، حيث يُطلق عليها الخبراء بأنها حاملة طائرات وصواريخ ثقيلة متنقلة لدعم وحماية الغواصات الاستراتيية وللسفن، وبالتالي فان وجودها لا يعدّل في موضوع التوازن البحري، الا انها تعتبر رسالة واضحة لصالح النظام السوري، وان موسكو ما كانت لتزيد من درجة تورطها في الاحداث السورية، لولا ثقتها بأن السلطات السورية ما تزال قادرة على فرض نفسها وانها بعيدة عن خطر التفكك والانهيار.
لكن لهذه الخطوة ايضا فوائدها العملية، حيث انها ستساهم في دعم دوريات البحرية السورية على امتداد الشواطئ بغية اعاقة ومنع شحنات السلاح من تركيا ولبنان الى الداخل السوري عبر البحر.
كما ان لهذه القطع البحرية الروسية مهمة حماية السفن السورية المحملة بالاسلحة من الاعتراض ومصادرة محتوياتها، كما جرى قبل بضعة اشهر من قبل البحرية التركية.
لكن النقطة الاهم تبقى في تثبيت موقع قدم لموسكو في المنطقة من ضمن سياسة المحافظة على المصالح الاستراتيجية والرغبة في تطوير نفوذها في الشرق الاوسط. فالخيارات المتاحة امام روسيا في المنطقة باتت محدودة، مع ذهاب ليبيا في اتجاهات اخرى، وعدم الاستقرار الذي يهدد مصر، ونتائج الانتخابات التونسية. اما تركيا فهي تحاول توسيع نفوذها، لا سيما بعد ان وطدت علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي.
وكل ذلك يؤشر ان ليس لروسيا قناعة بأن نظام الاسد آيل للسقوط، بدليل قيامها بشحن الاسلحة الى سوريا، لا بل انها تراهن على ان النظام سيستطيع الصمود، فيما على العكس، بدأت بوادر التفكك الداخلي تصيب بلدانا عربية اخرى في الخليج.
واضافة الى نظرة روسيا لدورها في الازمة السورية بأنه سيوفر لها دوراً يوازن الدور التركي، فانها تبدي قلقاً من امكانية انتعاش «الاسلام المتشدد»، وهو ما تخشاه موسكو في البلدان المتاخمة والقريبة من حدودها.
وانسجاما مع كل ما تقدم، فان الاوساط الديبلوماسية المعنية بدأت تتحدث عن امكانية فتح بعض قنوات التفاوض مع دمشق على اساس انجاز تسوية ما، وفق شروط، ما تزال واشنطن تعتقد انها قادرة على تمريرها، ما يتطلب الاستفادة من الضغط الحاصل الآن وهو في ذروته، واستباق الوقت قبل ان يتراجع مستواه، وهو ما يبدو انه يدخل في اطار زيارة فيلتمان للبنان، اي محاولة الابقاء على ذروة التصعيد اطول فترة ممكنة، لتمرير تسويات «ناجحة».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك