بعد قبوله بتمويل المحكمة الدولية، يكتشف امين عام "حزب الله"، متاخرا ربما، مدى تعقيدات العمل السياسي الداخلي اللبناني الذي يعتمد أساسا على صيغة توازانات طائفية دقيقة جدا تجعل سيطرة طائفة دون غيرها على البلد ومقوماته امرا مستحيلا. متاخرا لان اخفاقاته منذ انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان (وقد يكون اتهام المحكمة نفسها التي قبل بتمويلها عناصر لديه باغتيال الرئيس رفيق الحريري أكبرها)، وضعت مسوغ وجوده بالشكل الحالي مستحيلا.
يقول امين عام "حزب الله" ان التمويل اتى من اجل استقرار البلد. ولا احد يعلم ان كانت تلك البرغماتية المفاجئة نتيجة تطور فكري ما فيما خص الداخل، ام هي نتيجة ضعف بدأ يتبين مع قرب زوال نظام الاسد وازدياد الضغط الدولي على النظام الايراني.
مهما كانت اسباب هذا التحول، نلاحظ انه ولاول مرة طغت الواقعية السياسية في كلام الامين العام على كل ما عداها، واصبح الاستقرار اهم من هزيمة الولايات المتحدة والغرب، او زوال اسرائيل، او التصدي للفتن والمؤامرات المحاكة ضد الشعوب العربية.
وهو شيء يمكن ان يبنى عليه ويستعمل في الداخل لانتزاع تنازلات اكبر من "حزب الله"، لانه من المنطلق نفسه والحرص عينه على استقرار البلد يستطيع الحزب تسليم المتهمين في اغتيال الرئيس الحريري، او ان يمتنع عن تمديد شبكات خطوط هاتفية خاصة كما في ترشيش وزحلة، لانه يستفز الناس وينتقص من سيادة الدولة، وبالتالي يعرض استقرار البلد للخطر.
الامر نفسه ينطبق على سلاحه الخارج عن اطار الشرعية، فهو سبق وعرض البلد لحروب اهلية واقليمية كما حصل ابان اجتياح بيروت في 7 ايار ومعارك الجبل او في حرب تموز، ناهيك عن انتهاكه للقرارات الدولية لا سيما الـ1701 مع كل انفجار مخزن للاسلحة جنوب خط الليطاني. كما يجب على الحزب ايضا التوقف عن اتباع سياسات خارجية خاصة به تعرض مصالح الدولة العليا للخطر مثل التعدي على سيادة دول صديقة من مصر الى دول الخليج الى اذربيجان واقامة خلايا نائمة لها مهمات تصب في استراتيجية امين عام "حزب الله" ونظام الملالي في ايران ولكنها لا تخدم لبنان واللبنانيين الذين يدفعون غاليا ثمن تلك المغامرات، وفي نفس السياق يجب على الحزب السماح للدولة بفرض القانون في المناطق التابعة لسيطرته، والتي اصبحت اشبه بغيتوات طائفية تقوم عليها اعمال تجارية لا تخضع لرقابة الدولة او نظامها الضرائبي، وعمليات مالية مشبوهة وغير قانونية، كما تبين مع صلاح عز الدين والبنك اللبناني الكندي. هذه كلها امور يجب ان تتوقف بما انها تهدد استقرار البلد الذي على ما يبدو يحرص عليه حسن نصرالله.
من دون اي شك ان التطورات الاخيرة في المنطقة افضت على امين عام الحزب بعض الواقعية في التعاطي السياسي، وتمويل المحكمة ان دل على شيء فهو مدى تاثر "حزب الله" بالتطورات المحيطة بنا من كل صوب. ففي الواقع "حزب الله" بات محاصرا من الداخل من مجموعة كبيرة من اللبنانيين الذين يرفضون السياسات التي ينتهجها، وهو ايضا محاصر جنوبا بالماكينة العسكرية الاسرائيلية وها هو يخسر خاصرته السورية التي ياتيها التغيير والتي اعلنت على لسان برهان غليون انها لن تدعم "حزب الله" ولن تكون ممرا لسلاحه. اضف الى كل ذالك الازمة الاقتصادية التي يتعرض لها الحزب والتي تحد من قدراته الخدماتية.
طبعا ان راى الحزب وامينه العام الامور من هذا المنظار سيصل في النهاية الى استنتاج واحد يفضي في نهاية الامر الى تسليم سلاحه لمؤسسات الدولة العسكرية في اطار استراتيجية دفاعية محددة، ثم تسليم المتهمين الاريعة في قضية اغتيال الرئيس الحريري، والتحول الى حزب سياسي ينضوي تحت قوانين الدولة ودستورها ولا يغرد وحيدا بعيدا عن سربها. واي شيء اخر هو مجرد وصفة اخرى للخراب.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك