جاء في "النهار": لا تنفك الارانب تخرج الواحد تلو الآخر من أكمام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي سعياً الى معالجة الملفات الأكثر تعقيداً، بدءاً من الكهرباء مروراً بتمويل المحكمة الخاصة بلبنان وصولاً الى ملف الاجور، لتزيد عمق المأزق الذي أقحم "التيار الوطني الحر" نفسه فيه بعدما رفع سقوفه عالياً في الملفات الثلاثة في وجه الحكومة الممثل فيها بعشرة اعضاء، بحيث بدا عاجزاً عن تحقيق أي انجاز في ملفاته المطلبية واقترن ذلك بعجز عن تنفيذ تهديداته بالاستقالة.
واذا كان اقرار مجلس الوزراء مشروع الاجور وفق اقتراح ميقاتي وليس كما تقدم به وزير الاتصالات شربل نحاس، سجل مكسباً في رصيد رئيس الحكومة، وخصوصا أنه أكد من خلاله أن لا مقايضة على ملف التمويل ولا جوائز ترضية لعون ولا نزول عند طلب "حزب الله" على لسان أمينه العام بتلبية مطالب حليفه، فهو شكل ضربة قاسية للتيار هي الثالثة له بعد الكهرباء والتمويل، لا بد أن تدفعه الى البحث عن الاسباب التي تقف وراء فشله في ادارة ملفاته داخل الحكومة وعجزه عن استغلال دعم حليفه الابرز "حزب الله" فيها، والذي يبدو حتى اليوم محصوراً في الجانب السياسي الذي يحكمه تفاهم 2006، فيما يبدو التناقض واضحاً في مقاربات الحليفين للملفات المطروحة، الى درجة دفعت بأحد الوزراء الى القول "إن الجميع تعب من عدم واقعية الطروحات واهمالها للواقع".
وفي حين لم تمض أيام قليلة على "تعويم" الحزب لحليفه، بدا من الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء أن ثمة ثغرة يعجز عون عن سدها في مقاربته للملفات التي يطرحها. وهي تتمثل في رأي مصادر وزارية في فشل وزراء في التيار في تقديم مشاريع تراعي المعطيات والظروف القائمة. وهذا ما حصل مع مناقشة ملف الاجور المقدم من وزير العمل شربل نحاس، اذ بدا من تعليقات الوزراء بعد خروجهم من الجلسة أنه تعذر عليهم فهم شروح نحاس، فيما بدت مقاربة ميقاتي أقرب الى الواقع والتنفيذ.
ويقول وزير الدولة لشؤون التنمية الادارية محمد فنيش رداً على سؤال "النهار" عن موقف الحزب من مشروع نحاس إن وزير العمل "قدم مقاربة جديدة لمفهوم الأجر تلغي التحايل الحاصل عليه، ونحن مع هذه المقاربة الا انها ترتب في الوقت عينه الى جانب رفع الحد الادنى وغلاء المعيشة أعباء اضافية على اصحاب العمل تهدد المؤسسات والاقتصاد. ولأن الحكومة مع مبدأ تصحيح الاجور، ارتئي السير بالمشروع المقدم من رئيس الحكومة باعتبار أن مشروع الوزير نحاس يتطلب مزيداً من النقاش والدرس ويحتاج الى رزمة من الاجراءات والتشريعات يتطلب اقرارها وقتاً".
واذ لفت فنيش الى أن التصويت جرى على مشروع ميقاتي لأنه طرح للتصويت، قال إن مشروع وزير العمل لم يطرح للتصويت، بل تقرر استكمال النقاش فيه عبر اللجان الوزارية المعنية. وفي حين استغرب أن يؤثر هذا الامر على انتاجية الحكومة مشيرا الى كثافة الجلسات المرتقبة الاسبوع المقبل بمعدل 3 جلسات، آثر عدم التعليق على السؤال عن امكان اعتكاف وزراء "التيار الوطني الحر" وعدم مشاركتهم المحتملة في الجلسات المقبلة، مشيراً الى انه لم يتم البحث في هذا الموضوع، ونافياً أن يكون ثمة تنسيق حاصل مع وزراء عون للمرحلة المقبلة أو مع ميقاتي في شأن مشروعه للاجور.
وتشكل الجلسة الاخيرة للحكومة تجربة للاداء المتوقع للعمل الحكومي في ضوء التشنج السائد بين ميقاتي ووزراء عون. وتشير مصادر وزارية الى ان ملف الاجور شكل نموذجاً واضحاً لما سيكون عليه النقاش في المرحلة المقبلة، بحيث بات أي ملف خاضعاً للخلفية السياسية المتوترة بقطع النظر عما اذا كانت المعالجة تتم على أسس وأبعاد غير سياسية. فالعامل الاول الذي حكم ملف الاجور لم يكن سياسياً ولم يستهدف العماد عون من خلال عدم استرضائه بتلبية بعض من مطالبه، بل كان على خلفية اقتصادية بحتة أخذت في الاعتبار الظروف الاقتصادية وقدرة الاقتصاد على التحمل والحفاظ على تنافسيته، كما لبت مصالح أصحاب العمل (عبر عدم السير بضم بدل النقل الى اساس الراتب) في ضوء تهديد المؤسسات بالاقفال والافلاس في ظل ظروف اقتصادية سيئة.
واذ دعت المصادر وزراء التيار الى درس ملفاتهم جيدا قبل رفعها الى مجلس الوزراء، رأت أنه "لا يمكن هؤلاء أن يعملوا في الحكومة على خلفية أنهم هم السلطة الحاكمة، في حين أن الفريق الذي يستمدون منه سلطتهم في مكان آخر، أو على خلفية حسابات انتخابية تحكم مواقفهم ومطالباتهم، وهي تغمز من قناة انتخابات 2013 النيابية التي بدأ عون ووزراؤه يعدون العدة لها ويحضرون الادوات الحكومية الكفيلة بتحسين وضعهم الشعبي في الوقت الفاصل عن ذلك الاستحقاق.
واذا كان ملف الاجور مر على مضض، فان الملفات المقبلة لن تكون أقل احراجاً لعون وفريقه السياسي، اذا لم يبادر الى اعادة النظر في ادارة الملف الاقتصادي والاجتماعي الذي سيشكل عنوان العمل الحكومي مع بدء مناقشة مشروع موازنة 2012، مروراً بملف الضمان الاجتماعي والتغطية الصحية الذي يشهد شد حبال بين نحاس ووزير الصحة علي حسن خليل، وصولاً الى الملفات الأكثر استحقاقا مثل التعيينات الادارية وقانون الانتخاب الذي وضعه رئيس الحكومة على نار قوية.
وفي حين تؤكد أوساط قريبة من ميقاتي أن لا استهداف لعون وفريقه وأن كل الامور مطروحة على طاولة مجلس الوزراء، يعي وزراء التيار أنهم حُشروا في زاوية مواقفهم وينتظرون المزيد، مع ادراكهم أن قلب الطاولة ليس في يدهم، والظروف المحيطة ليست لمصلحتهم، وأن الخيارات المتاحة محدودة ومحكومة بسقوف سياسية لا يمكن تخطيها. وأي خروج من السلطة اليوم ستكون كلفته أكبر من أن يتحملها التيار.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك