داني حداد
هذا مقال يحتوي، قدر الإمكان، وعمداً، على قدحٍ وذمّ، علّ الوزير المعنيّ يلجأ، لمقاضاتنا، الى القضاء، بعد أن سُلّمنا، بفضل أمثاله من الوزراء، الى القدر.
سُجن آلاف اللبنانيّين ليل أمس كما ليل الخميس لساعاتٍ داخل سيّاراتهم، لأنّ وزارة الأشغال العامة التي يديرها وزيرٌ لا يأبه إلا للمصالح الخاصّة اختارت تزفيت أوتوستراد طبرجا ليلتَي الخميس والجمعة، قبيل منتصف الليل، من دون تحذيرٍ كافٍ للمواطنين ومن دون إعلانٍ سابق بأيّام، على الأقل.
والأنكى من ذلك أنّ أشغال التزفيت صودفت ليل أمس في توقيت إحياء الفنّانة هبة طوجي لإحدى ليالي مهرجانات "بيبلوس" الدوليّة، ما فاقم من زحمة السير إذ أضيفت آلاف السيّارات العائدة باتجاه جونيه وبيروت على عدد السيّارات التي تجتاز هذا الأوتوستراد في مثل هذا التوقيت.
وهكذا، لم يتمكّن معظم متابعي المهرجان، الذي انتهى عند الساعة الحادية عشرة والنصف، من الوصول الى منازلهم في بيروت قبل الساعة الثالثة فجراً، لأنّ المدعو غازي زعيتر لا يأبه بوقتهم وتعبهم وثمن المحروقات التي تصرفها سيّاراتهم...
لقد تحوّل ساحل كسروان في ليلتَي الخميس والجمعة الى موقفٍ كبيرٍ للسيّارات، وشهد زحمة ربما تكون غير مسبوقة في تاريخه، ولن يستدعي الأمر، بالتأكيد، بيان اعتذار من وزارة الأشغال التي يجب أن تضيف "فتحةً" على العبارة التي تستخدم على اللافتات في المشاريع التي تنفّذها، فتتحوّل "نعمل لأجْلِكم" الى "نعمل لأجَلِكم" لأنّنا لم نجنِ من هذه الوزارة سوى الحفر والإهمال والافتقاد للحدّ الأدنى من السلامة العامة على الكثير من الطرقات.
وبعد، نتكلّم عن سياحة وعن مهرجانات، ويحدّثنا الوزير، الذي يفترض به أن يُقدم على الاستقالة إذا كان يملك الحدّ الأدنى من الجرأة والشعور بالمسؤوليّة، عن إنماءٍ متوازن... أيّ سياحة هي هذه التي يُرغم فيها قاصد منطقة للسهر أو لحضور مهرجان على البقاء لساعات في المكان نفسه على الأوتوستراد، لأنّ وزير الأشغال لم ينتبه الى أنّ التزفيت يتزامن مع موعد المهرجان الحاشد، وأنّ ليلة الجمعة ليست ملائمة لإقفال الأوتوستراد وتحويل السير الى طريقٍ فرعيّة ضيّقة، وأنّ التنبيه الى الإقفال يجب أن يكون مكثّفاً لأيّام عبر وسائل الإعلام، لا أن يقتصر على تغريدة على "تويتر".
لن يعتذر غازي زعيتر اليوم، ولن يأبه لما ارتكبه بحقّ الآلاف الذين سُجنوا على الطريق لساعات، ومن بينهم أطفال. ولن يتمّ استدعاؤه من قبل رئيس الحكومة لمساءلته. ولن يطرح نوّابٌ الثقة به لمحاسبته على ما فعله. فالدولة السائبة تعلّم الوزراء الحرام، كما الإهمال والتعامل مع الناس كحشرات، وعندها لا بأس بحشرهم في سيّاراتهم لساعات.
تبقى إشارة أخيرة الى أنّ ما سبق كلّه حصل في كسروان، بينما نوّابها جميعاً يغطّون في سباتٍ عميق وكاد يصل صوت شخيرهم، لولا أبواق السيّارات في الزحمة، الى أوتوستراد طبرجا...