في الطابق الأول من أحد المباني المتوسطة الحال في محلة أبي سمرا في طرابلس، يستقبل مؤسس التيار السلفي في لبنان الشيخ داعي الإسلام الشهال ضيوفه بابتسامة عريضة. وبعد ترحيب حار ومجاملات كثيرة، يرافقهم إلى مكتبه المطلِّ على المدينة، ويقفل الباب من خلفه. أثناء تبادل الحديث، تطرق يد ما باب المكتب، فيخرج الشهال إلى المطبخ، ويأتي بنفسه بالقهوة ويقدمها للضيوف، إذ لا مكان للنسوة بين الرجال في هذا المكان.
باهتمام بالغ، يجيب الشهال أسئلة ضيوفه، المتمحورة في غالبها حول الموقف من تنظيم القاعدة بعد اغتيال زعيمه أسامة بن لادن. "لا علاقة تنظيمية بين السلفيين والقاعدة"، هذا ما يشدد عليه الشهال، لافتاً إلى أن للتنظيم المذكور "أنصاراً وليس أتباعاً في لبنان، وهم يقوون متى زاد الظلم في حق المسلمين، ويضعفون متى ضعف".
مقتل "الشيخ أسامة" سيؤجج الصراع القائم، و"أميركا خسرت بموته أكثر مما ربحت"، يضيف الشهال، الذي يتوقف كثيراً عند خبر إلقاء جثته في البحر، معتبراً ذلك إهانة متعمدة للمسلمين.
مؤسس التيار السلفي الذي يرى في بن لادن "قائداً عظيماً"، تستفزه كثيراً الأحداث الأخيرة في سوريا، معلناً أنه يريد للأكثرية السنية أن تحكم هناك، ومؤكداً أن الحكم سيؤول إليها عاجلاً أم آجلاً، من دون أن يعتبر نفسه معنياً بالكلام على الحقوق السياسية للأقليات المذهبية.
وفي سياق متصل، يسخر الشهال ممن يعتبر ما يحصل في سوريا عملاً تقوم به جماعات سلفية أو قريبة من تنظيم القاعدة، مشدداً على أن "لو كان الأمر صحيحاً لكان نظام الحكم في سوريا أطيح منذ زمن بعيد".
بعد ساعة تقريباً، ينتهي الحديث، فيصرُّ الشهال على مرافقة الضيوف حتى باب المصعد، ويودعهم على أمل اللقاء... في خارج المبنى، لا شيء يدل إلى أن فيه قائداً سلفياً، باستثناء راية سوداء، دونت عليها عبارة "لا إله إلا الله محمد رسول الله".
في مكان آخر من أبي سمرا، وفي حي متفرع عن شارع بارود، مكتب جمعية "إقرأ" للتنمية الاجتماعية، وفي جواره مكتب آخر تابع للشيخ هاشم منقارة، الذي أمضى سنوات طويلة في السجون السورية، ليخرج قبل أحد عشر عاماً بوساطة من رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، ويصير مناهضاً لتيار المستقبل.
مكتب رئيس الجمعية الشيخ بلال دقماق أنيق جداً، والجامع بينه وبين الشهال، إضافة إلى الفكر السلفي وتمني سقوط النظام السوري اليوم قبل الغد، الـ Laptop الموضوع على المكتب، والمزاح في شأن "الشيخ Google"، الذي بات مرجعاً رئيساً "تجد بواسطته كل ما تبغي من معلومات".
"الشيخ رفيق الحريري شهيد الوطن، والشيخ أسامة بن لادن شهيد القضية الإسلامية في العالم"، هذا ما يؤكده دقماق، معتبراً أن شهادتهما في جوهرها واحد. دقماق الذي يبدي تشدداً واضحاً تجاه حزب الله الذي يصف أنصاره بـ "الصفويين"، يرى أن أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 شكلت "ضربة موفقة"، معتبراً أن منفذيها استندوا إلى دراسة شرعية، وموضحاً أن بن لادن إرهابي، لكنه يردف بالقول "إن الإرهاب في الإسلام موجود، وهو على نوعين: إرهاب محمود إذا كان دفاعاً عن النفس، وإرهاب مذموم إذا شكل اعتداء على الآخرين".
دقماق الذي يذكر مراراً بالعمليات التي نفذها الجيش السوري في الثمانينيات ضد الجماعات الإسلامية في طرابلس، يرافق ضيوفه إلى مدخل المبنى، والمسدس يتوسط خصره، متحدثاً عن شرائه وأحد رفاقه قطعة أرض في الضنية لبناء منزل، فهناك المنظر جميل جداً، "كأنك طاير".
وبالانتقال إلى ناحية أخرى من طرابلس، لقاء الخبير في الجماعات الإسلامية والسلفية الشيخ عمر بكري فستق له نكهة أخرى. هنا أيضاً، لا مكان للنسوة، غير أن اللافت اتصالات يتلقاها المضيف طوال النهار من وسائل إعلامية غربية، ليس أقلها الـ BBC والـ CNN وسواهما، لأخذ رأيه باغتيال بن لادن.
ففستق هو أكثر السلفيين جرأة في إعلان الولاء للقاعدة، واصفاً بن لادن إياه بـ "الشهيد الذي يكفيه فخراً أنه قاوم حتى النهاية ولم يستسلم للأميركيين". الرجل الذي يتكلم الإنكليزية بطلاقة بالغة، لكونه أقام مدة طويلة في بريطانيا، يخبر ضيوفه أنه أرسل ابنه للإقامة في بريطانيا لأن الوضع في لبنان ليس مريحاً له. "الهيزبر"، كلمة عربية تعني "الأسد"، وهو لقب يطلق على بن لادن من خلال الـ PALTALK، المعتمد وسيلة للتواصل، والذي علم فستق عبره بمقتل بن لادن قبل إعلانه من الرئيس الأميركي باراك أوباما.
"الرد مؤكد على اغتيال بن لادن، والعملية ستنفذ في الغرب، وستحمل اسم الشهيد"، هذا ما يؤكده فستق، بفرح ظاهر.
النظام السوري خصم أول هنا أيضاً، وتولي الأكثرية المسلمة السنية الحكم في البلاد العربية أمر حتمي، غير أن الثورات العربية الأخيرة أعطى تنظيم القاعدة تعليمات لأنصاره بعدم التدخل فيها عبر عمليات مسلحة حتى لا يعطي للأنظمة ذريعة الانقضاض الأمني عليها، يختم فستق حديثه.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك