نحنّ الى سمير قصير، والحنين ها هنا هو ما دعاه محمود درويش "ندبة في القلب وبصمة بلد على جسد".
وفي يوم حرية الصحافة، لا اجد الكلمات التي تتحدث عن شجاعته واصراره العنيد ان يكون شاهدا مرتين، صحافيا شاهدا وكاتبا شاهدا. وكأنه يقرأ في كتاب الشهادة المعلن الذي هو ايضا كتاب حياته.
كان صحافيا وكاتبا بحق. والشاهد بصيغة المثنى هو الشاهد الذي يبصر الفعل والحدث ويتبصر، فلا يردد اقاويل عنه او اشاعات، ولا يكرر كلمات التنديد والاتهام حتى تفقد معناها او تنقلب عليه، وهو الشاهد الذي يسعى الى فهم التحولات العميقة التي تدل عليها الوقائع والاقوال او تحبل بها.
نفتقد سمير قصير، في زمن التغيرات العربية المذهلة، ما نعرفه عنها وما لم يتجل بعد امام ابصارنا. كان شقيا بالشقاء العربي ولم يصرفه وعده اللبناني عنه، ولم يتركنا معلقين بين هذا الشقاء وبين غمَّي الهيمنة والفرقة، بل فتح لنا مسالك جديدة ومتعددة. ذلك انه سابق الزمن اللبناني السريع والمتسارع في المجازفة وفي الاستشراف.
ولم يغب عنه مرة الزمن العربي الطويل، لا في نقده ولا في اسئلته. ولم تأخذه الاخفاقات العربية واللبنانية، ولو تعذر محو آثارها، الى العدمية ولم يستغرق في الواقعية الخائبة، الباكية او الساخرة.
كان يفتح النوافذ كلما صادف ابوابا موصدة، ومنها الابواب التي اغلقتها الايديولوجية الثنائية التي لا ترى الوطن العربي الا بصورة ساحة النزاعات والمواجهات الكونية المستأنفة، ولا ترى لبنان الا فضاء للصدى او ارضا للمنازلة.
لم تكن الحرية في لبنان مجرد تعويض عن غيابها في المدى العربي، بل اسهاما في صنعها. في يوم حرية الصحافة، وفي كل يوم حرية، نتذكر سمير قصير.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك