ليس ما حدث في مجلس الوزراء مجرد وقفة لتغيير قواعد اللعبة بمقدار ما هو علاج بالصدمات لإزالة الغشاوة عن الصورة الأصلية للحكومة. فهي، منذ البدء، لم تكن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وإن كانت برئاسته. والذين قاموا بانقلاب سياسي للمجيء بها احتاجوا الى (وسطية) رئيسها وشخصيته وعلاقاته، لكن (أجندتهم) ليست (الوسطية) بل الحكم بالأكثرية في حكومة لها وظيفة داخلية ودور خارجي في صراع على توجه لبنان وموقعه وموقفه ضمن صراع إقليمي ودولي في المنطقة وعليها.
ومن الطبيعي أن يقود الارتباك أمام قرار اقتصادي الى إرباك سياسي. فليس في تاريخ الحكومات حكومة تتخذ ثلاثة قرارات مختلفة في مجلس الوزراء حول موضوع كان يمر بسهولة، هو تصحيح الأجور. الأول أبطله مجلس الشورى. والثاني طلب تصحيحه. والثالث الذي قدمه وزير العمل شربل نحاس من ضمن مشروع جذري واسع وتجاوزه مجلس الوزراء ثم أعيد إحياء جزء منه بالتصويت، يواجه امتحاناً في مجلس الشورى، ومعارضة من الهيئات الاقتصادية، وعدم اقتناع به من وزير صوّت عليه (سياسياً) وتحذيراً من (تداعياته على الوضع الاقتصادي الصعب) بلسان رئيس الحكومة وعدد من الوزراء.
لكن القراءة الاقتصادية في القرار شيء، والقراءة السياسية في مدلول اتخاذه شيء آخر. والواقع أن مسار الشغل أو اللاشغل في حكومة (كلنا للعمل) كان ولا يزال نوعاً من (الملاكمة السياسية)، ولكن من دون الذهاب الى الضربة القاضية. فلا الرئيس ميقاتي اختار التهديد بما كان يسميه الجنرال ديغول (سياسة المقعد الفارغ) الا في موضوع تمويل المحكمة. ولا الثلاثي المؤلف من (التيار الوطني الحر) وحلفائه و(حزب الله) و(أمل) الذي قال مؤخراً بوضوح إن (الأمر لي)، يجازف بدفع الحكومة الى الاستقالة. مجرد ربح بالنقاط في الجولات. مرة لرئيسس الحكومة وحلفائه في (الوسط). ومرة للثلاثي الذي يشكل عصب الحكومة والأكثرية.
ذلك أن الرئيس ميقاتي الذي ربح جولة في تمويل المحكمة، تصور أن موقفه صار أقوى بعد تحصين موقعه. وهكذا أخرج من جيبه مشروع قرار بديلاً من مشروع وزير العمل، فنال في مجلس الوزراء أكثرية الأصوات، وبينها أصوات وزراء (حزب الله) و(أمل). ولم يكن الرد الأخير بتغيير المواقف في التصويت على مشروع الوزير شربل نحاس وتجاهل المشروع المبني على اتفاق مكتوب وموقَّع بين العمال وأرباب العمل سوى تذكير للرئيس ميقاتي وحلفائه بأن القوة هي للثلاثي المتحالف.
ولا أحد يعرف إن كان موضوع اللعبة، وهو تصحيح الأجور، سيأخذ طريقه الى التنفيذ. لكن الكل يعرف أن اللاعبين لا ينامون على حرير. و(الملاكمة السياسية) مستمرة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك