يجلس غدي في قاعة الانتظار، عيناه تراقبان الباب الموصد بحذر، والوشوشات تطرق أذنيه من دون استئذان. هنا سيّدة تتأمّله وتهمس لأخرى "الحق عإمّو"، وهناك فتاة تسأل أمّها إن كان يخفي شيئاً في بطنه، وفي آخر الردهة رجل يهمس لزوجته "رامي بياكلو بلقمة"، ما كان غدي ليسمعهما لولا ان رامي يتوسّط والديه، ما يجعل الهمسة أقرب منها الى الصراخ.

قبل سنوات، عندما كان غدي في السادسة، كان "ممتلئا وجايي صحتو" كما نقول "باللبناني"، اما اليوم ومع تغيّر المعايير الشكليّة، ونظرتنا إلى ما يجب أن يكون عليه مظهرنا الخارجي، بات غدي إبن الـ12 سنة، بدينًا، يتّكئ على بطنه، يسمع في اليوم الواحد عبارة "مش شايف حالك قدي صاير" أكثر من عدد الوجبات التي يتناولها يوميا، وها هو يجلس بين كثر، ينتظر أن يحين دوره ليقابل الأخصائيّة الغذائيّة.

يشتهر الاميركيون بأفلامهم وبدانتهم، فهم البلد المنشأ للوجبات السريعة والـburgers، إلا أنّ الواقع الذي كشفه موقع HealthGrove عن نسبة البدانة بين الدول، شكّل مفاجأة، ستصدم اللبنانيين حتما. فحين تلقون نظرة على لائحة الدول الـ25 التي تضمّ النسبة الاعلى من البدانة في العالم، ستجدون الولايات المتحدة الاميركيّة في المرتبة التاسعة، بينما يحتلّ لبنان الرقم 11 منها. جاءت جزيرة ساموا الواقعة في جنوبي المحيط الهادئ في المرتبة الاولى عالميا، تبعتها قطر والكويت والامارات العربية المتحدة، وجزر الفيجي والبهاماس والبحرين والمملكة العربية السعودية.

وفي قراءة سريعة للجدول الإحصائي المرفق بالدراسة الصادرة حديثاً، والذي يحصي عدد سكان لبنان بأكثر من أربعة ملايين نسمة، يظهر واضحا صعود نسبة البدانة في بلدنا من 28% عام 2010 إلى 32% عام 2014، ولعلّ أكثر ما قد يثير الاهتمام هو اختلاف النسبة بين الرجال والنساء. إذ يبدو ان الجنس اللطيف يملك شراهة أوسع، بحيث أنه عام 2010 كانت نسبة الرجال الذين يعانون من البدانة 23%، لتصبح 26% عام 2014، فيما سجلت البدانة بين النساء 34% في الـ2010، لتقفز بعد 4 سنوات إلى 37%.

إذا، ها هي شهيّتنا المفرطة تظهر إلى العلن وتحتلّ المراتب الأولى عالميّاً. لا بأس فقد يكون مردّها إلى المأكولات اللبنانيّة اللذيذة الذائع صيتها في العالم أيضاً، وقد تكون أيضا نتيجة التوتر الذي نعيشه والمعروفة مضارّه وأبرزها الشراهة.
علّ "كروشنا" تلهيهم عن التحديق بشوارعنا وما يعلوها ويسرح فيها.