مع ان عدداً من المرشحين الناصريين والوفديين والمستقلين نجحوا على قوائم حزب الاخوان المسلمين (الحرية والعدالة) في الانتخابات التشريعية الأخيرة في مرحلتيها الأولى والثانية، إلا ان مجلس الشعب القادم في مصر يشهد أغلبية دينية (إسلامية) لا شك فيها قد تزيد عن الـ60% في أقل التقديرات، بما سيتيح لها لو سارت الأمور كما يشتهون إلى تشكيل أول حكومة للاخوان المسلمين في مصر، منذ تأسيس الجماعة على يد حسن البنا عام 1928 (نحو 84 سنة).
من الناصريين الذين نجحوا على قوائم حزب الاخوان المسلمين (أمين اسكندر المسيحي، وكمال أبو عيطة منظم الشعارات الناصرية سواء عندما كان في حزب التجمع الوحدوي أو في الحزب العربي الديموقراطي الناصري، قبل أن ينتقل إلى حزب الكرامة – تحت التأسيس الذي وضع خارطته المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية حمدين صباحي).
وصباحي الذي يتجنب الحديث عن ناصريته بسبب حلفه المعلن مع جماعة الاخوان، هو الناصري الوحيد الذي اعتذر عن الناصريين عما أسماه الجرائم التي ارتكبها النظام الناصري ضد الجماعة، مما جعل كل القوى والشخصيات الناصرية تستنكر هذه البدعة، وتطالب صباحي ان ينطق بإسمه إذا أراد الاعتذار من الاخوان لأسباب انتخابية، كما ان عليه إذا كان ما زال ناصرياً أن يطلب من الاخوان الاعتذار من جماهير عبدالناصر الذي حاولوا اغتياله في حادث المنشية عام 1954 (التنظيم السري المسلح للاخوان كلّف العضو محمود عبد اللطيف قتل عبدالناصر، فأطلق نحوه 8 رصاصات اخطأته، كما حاولوا قلب نظام الحكم في مصر صيف 1965).
المهم،
ان إلحاق الاخوان المسلمين لكل ساع للوصول إلى الكرسي النيابي سواء كان ناصرياً أو وفدياً (وحيد عبد الحميد).. هو جزء من خطة الاخوان لاستيعاب الجميع للوصول إلى كرسي الحكم.
غير ان هذه المقدمة لا تقدم صورة كاملة عن خطة الاخوان وأسباب نجاحهم (وحزب النور السلفي والجماعة الاسلامية) بإكتساح أول انتخابات نيابية تجري بعد نحو 9 أشهر من تنحي الرئيس حسني مبارك عن الحكم استجابة للتظاهرات التي شهدتها مصر بدءاً من 25/1/2011 وانتهت مبدئياً يوم 11/2/2011 بعد بيان مبارك بالتنحي.
ما هي أسباب اكتساح الاسلاميين وفي مقدمتهم الاخوان للانتخابات النيابية:
1- 84 سنة مضت على تأسيس جماعة الاخوان المسلمين، راكمت خلالها خبرات تنظيمية وسياسية وعقد تحالفات ومواجهة نظم وثورات وحركات واستمدت في كل مرحلة من هذه المراحل عناصر قوة جمعتها كلها حين واجهت أول استحقاق دستوري بعد إسقاط الرئيس حسني مبارك الذي لم يهادنها طيلة 30 سنة، واستفادت من عدائه لها لأنه كان عديم الجذور الشعبية، غائباً عن أي وعي سياسي، وبعيداً عن هموم المصريين.
في مرحلة الملكية، نجحت الجماعة في أن تكون دائماً إلى جانب الملك فؤاد ثم فاروق ودائماً ضد حزب الاغلبية الشعبية – الوفد. وحين جاء اسماعيل صدقي باشا بإتفاقية اذعان مع وزير الخارجية البريطاني لتجديد احتلال مصر، خرجت مصر كلها ضد هذه الاتفاقية، إلا الاخوان وقفوا مع اسماعيل باشا وقرأوا له في الميادين إحدى آيات القرآن الكريم: ((واذكر في الكتاب اسماعيل انه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً)).
في عصر جمال عبدالناصر اقتربوا من ثورة 23 يوليو/تموز 1952 وأرادوا ركوب موجتها، ثم بلغ الخيال بهم حد محاولة فرض شرعيتهم الخاصة على قرارات مجلس قيادة الثورة والحكومة قبل اصدارها فكان الصدام حتمياً.
خسر الاخوان وجودهم السياسي والشرعي العلني بعد ذلك، لكنهم استفادوا من اعداء عبدالناصر من إسرائيل إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض حكام الخليج، وراكموا الثروات من خلال أنشطة اقتصادية أقاموها وأبقوا فيها جماعاتهم من خلال مشاريعهم الانتاجية المختلفة.
يعد انقلاب أنور السادات على خط جمال عبدالناصر عام 1971 جاءت فرصتهم التاريخية حين أخرجهم من السجون واعادهم من الخارج وفتح لهم أبواب العمل في كل المجالات، ليواجه الناصريين والتقدميين الآخرين..
ثم لما بدأ انفتاحه الاقتصادي عام 1974، كانوا أول من قطف الثمار التي دفع ثمنها اقتصاد مصر وفئاتها العاملة من خلال تشغيل أموالهم في مجالات استثمارية كانت وظلت حكراً على جماعاتهم، وكانت وسيلة استقطاب للفقراء والعاملين الذين تضرروا من انفتاح أنور السادات.
وكانت شركات توظيف الاموال التي حاولوا من خلالها موازاة النظام المصرفي الرسمي الذي بدأ عبدالناصر بقرارات الدولة الاشتراكية بناءه كقاعدة للبناء الاقتصادي الحاضن لملايين المصريين، خطة لاستقطاب ثروات المجتمع من مختلف القطاعات تحت دعاية دينية سخّروا لها رجال دين كباراً مسموعي الكلمة مثل محمد متولي الشعراوي، استطاعوا التأثير في المصريين بعد ان بذل السادات ونظامه كل جهد من أجل إخراج الفكر والثقافة والحركة من الجامعات والاندية لمصلحة التدين الذي شل مصر كلها منذ ذلك التاريخ.
2- ساد الاخوان المسلمون خلال مواجهات الجماعات الاسلامية التي خرجت من عباءتها لحرق المراحل والعمل العسكري لإسقاط الانظمة، التي ولد من رحمها تنظيم القاعدة.. يعملون وفق خطة حسن البنا المؤسس باعتماد المراحل وصولاً إلى السلطة..
وأولى الخطوات في هذا الطريق هي الدعوة، وقد انتشروا فيها في كل أنحاء مصر، ثم بعد الدعوة بدأوا مرحلة التنظيم حتى بات لهم في كل قرية في مصر تقريباً كما كل مدينة وحي وشارع وعطفة خلية تنتمي للجماعة.
انصرف المتطرفون الخارجون من رحم الاخوان لمقاتلة السلطات بعد اكتساب تجارب حرب وقتال في أفغانستان إلى البناء التنظيمي والعمل الدعوي، والنشاط الاقتصادي وجذب الاسماء الكبيرة واللامعة في كل مجتمع.
ركزوا على القضاة فكان لهم أنصار كثر توجهوا إلى النقابات فسقطت كلها بين أيديهم، فصار لهم نخبة من المهندسين والاطباء والمحامين.
ذهبوا إلى الجامعات فباتت كلها صورة مصغرة من المساجد والمصليات، وبات نادراً أن ترى فتاة غير محجبة.. قبل أن يغزو النقاب مصر من الاسكندرية إلى أسوان.
ثم جاءت فرصتهم الأولى حين غزا جورج بوش العراق عام 2003 وتحدث عن سيادة الديموقراطية ونشرها في البلاد العربية، فأرخى لهم حسني مبارك الحبل في مصر، تحت ضغط بوش فحصدوا في انتخابات 2005 20% من مقاعد مجلس الشعب المصري.
والفرصة الأهم التي قدمها لهم مبارك هي فساد حكمه وعجزه السياسي وسياسته الاقتصادية التي دفع ثمنها الفقراء والقطاع العام والعمال، وانصراف نظامه ومؤسساته إلى أمرين ارتاح لهما الاخوان:
الأمر الأول هو سيادة نظرية الأمن فوق أي برنامج سياسي أو ثقافي أو تنموي أو توجه نحو نهضة وطنية شاملة، تآكل نظام مبارك تحت هذا الأمر، ليأكله الاخوان لأنهم الأكثر تنظيماً بين كل القوى المغيبة والشكلية والتقليدية في مصر.
الأمر الثاني هو الفساد الذي نخر جسد المؤسسات المصرية كلها بما جعل الناس تبحث عن منقذ من الأمرين معاً، فإذا الاخوان يحصدون كراهية الناس لمبارك ورجاله، ويندفعون نحو المساجد وشبكات الاخوان في كل مكان.
3- جاء سقوط مبارك المفاجىء صدمة لمؤيديه عرباً وأجانب، وكان لا بد من سرعة إيجاد البديل الذي يمكن لبعض العرب والاجانب التواصل معه حتى لا يأتي المجهول، خاصة وان الذي أسقط النظام هم شباب لا علاقة لأحد بهم، لا يعرفهم أحد، لم يختبرهم أحد، لم يقم أحدهم بأي علاقة معهم.. كانوا المجهول القادم فخافوا عبدالناصر جديداً، فلجأوا إلى الاخوان لدعمهم لأنهم الاكثر تمرساً في السياسة، الأكثر استعداداً لعقد الصفقات، وقد كشفت أخبار الاخوان انهم كانوا خلال سنوات حريصين على طمأنة الجميع في الخارج بأنهم سيكونون أكثر إخلاصاً وتفهماً من مبارك الآيل للسقوط.
4- تحت هذا العنوان اندفع المال الخليجي ليصب في طاحونة الاخوان (قطر تحديداً) وبعض المؤسسات الخليجية الاخرى نحو السلفيين.
والمال هو الأهم في أي عملية انتخابية، خاصة ان الاخوان لديهم التنظيم والبشر والحركة والطموح أو الجموح السياسي، وحسن الانتشار بين الناس.
5- في حين ان الاخوان بدأوا خطة الوصول إلى السلطة خلال تظاهرات يناير/ك2 2011 ضد مبارك وراحوا يعتمدون القوانين والاجراءات التنظيمية التي تلت تخلي مبارك عن السلطة يوم 11/2/2011، للوصول إلى اكتساب شرعيتهم داخل السلطة المقبلة تمهيداً للقفز عليها، فإن الشباب الذين قاموا بالتظاهرات حتى إسقاط مبارك انصرفوا بعد ذلك إلى الاعلام والتشتت وعادوا إلى أدوات الاتصال الاجتماعي في منازلهم، يحدثون بعضهم، ينصرفون عدا قلة صغيرة إلى التنظير والتباهي والتحدي، بينما نزل الاخوان إلى كل نواحي مصر استعداداً للانتخابات التي اكتسحوها دون رحمة.
6- انصرف شباب التظاهرات إلى خبط رؤوسهم بالمؤسسة العسكرية تحت دعوى استمرار الثورة لإسقاط كل من تعامل مع مبارك بما فيها قادة المجلس العسكري الذي حمى الثورة وكان العامل الحاسم في نجاحها، فنتج عن هذا الصدام استنـزاف هؤلاء الشباب في الاوساط الشعبية بعد ان بالغوا في الدعوات إلى التظاهرات، التي ظنوا ان الجيش لا يستجيب لمطالبهم إلا بها، فإذا بالجيش يجد ان خصومه الفعليين هم في الشوارع الذين يريدون احتلال وزارة الدفاع مرة (في العباسية) ثم احتلال وزارة الداخلية مرات أخرى (شارع محمد محمود) ثم احتلال مجمع التحرير الذي يعمل فيه 30 ألف انسان ويرتاده يومياً نحو ربع مليون مواطن، ثم لا يفتحونه ويأذنون بالعمل به إلا بأمرهم.
استاءت الناس من هؤلاء الشباب الذين يعطلون حياتهم ويوقفون مواصلاتهم، ويحتلون مؤسساتهم، ويطرحون مطالب تعجز الناس عن اعطائها أولوية في مقابل الاستجابة لمطالبها في حياة كريمة.
انشغل الشباب بثورتهم، وانصرف الاخوان لسلطتهم حتى قفزوا إليها.
7- في ظل غبار تحركات الجماعات السلفية واستفزازاتها للناس وهم يهدمون الاضرحة وهم يقولون ان الديموقراطية كفر، ثم يترشحون في الانتخابات الديموقراطية، ثم وهم يغطون التماثيل بالشمع حتى لا تظهر كأصنام يعبدها المصريون، وهم يتحدثون عن إلغاء السياحة والعمل في الزراعة والصناعة بدلاً عنها، وهم يهددون المثقفين والادباء، ويقول متحدث حزب النور وهو ابرز احزابهم عبدالمنعم الشحات عن ان أدب نجيب محفوظ يحرض على الرذيلة والمخدرات..
في ظل خوف الناس من السلفيين، وسيطرة مناخ التدين على حياة المصريين واعتماد منهج الحلال والحرام دون النظر الى العلم والثقافة والعمل وإعمال الفكر والانتاج والاستنارة.. وجد المصريون أنفسهم بين خيارين هما السلفيون والاخوان المسلمون، فأعطوا الاخوان الاغلبية، وجاء السلفيون وراءهم في اكبر عملية تغييب للعقل والفكر والعلم في مصر منذ مائة عام.
8- الاغلبية الساحقة التي أعطت اصواتها للاخوان المسلمين اعتمدت المناهج التالية:
1- ان الاخوان ظلموا في عهد مبارك.
2- ان الاخوان دفعوا رشى في العام مرتين في عيدي الفطر والاضحى، عبارة عن كيلوغرام لحمة، وبطانية في الشتاء وكيس معكرونة وعلبة صلصة..
3- دعونا نجرب الاخوان بعد ان جـرّبنا الاشتراكية والرأسمالية غير المنتجتين.
4- الاخوان يعرفون الله، ونحن في زمن يسود فيه العري واغراء النساء، وسقوط الاخلاق..
5- اذا نجح الاخوان في حل مشاكلنا فلهم كل التأييد واذا فشلوا فإننا سنسقطهم في الانتخابات النيابية المقبلة.
6- نحن لا نجد امامنا غيرهم في كل حي ومسجد ومكتب وجامعة (يطبعون الكتب في ملفات خاصة ويبيعونها بسعر التكلفة).
وأخيراً وليس آخراً،
زرع الاخوان المسلمون خلال 80 سنة محاولات تديين المجتمع على حساب العلم والانتاج والعقل، ونجح عبدالناصر في مواجهتهم حتى اصبحت القيمة الاساسية في حياة المصريين هي العمل والاستنارة، وانقلب انور السادات باسم دولة العلم والايمان، والرئيس المؤمن، فجاء بالاخوان، وهم منذ 41 سنة يزرعون للوصول الى السلطة.. فوصلوا وقد كتبنا طريقهم للوصول
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك