ليس طرح ترحيل النفايات سوى محطة في عملية "تقطيع الوقت". وهو سينتهي إلى تكريس الأزمة، فيما جبال النفايات إلى ارتفاع. وما يجري اليوم هو محاولة لتنفيس بعض الاحتقان، بإطلاق وعودٍ لن توصِل إلى أيّ مكان.
في نظر بعض الخبراء، لا يستطيع لبنان السير في مشروع ترحيل النفايات، المُكلِف جداً، فيما هو عاجز حتى عن سداد فوائد الديون المتزايدة، وفيما يترصَّده المجتمع الدولي ومؤسساته الرقابية، وتمنعه من إقرار مشروع سلسلة الرتب والرواتب، خوفاً عليه من الإفلاس.
ويقول الخبراء، وفق مقال للكاتب طوني عيسى في "الجمهوريّة"، إنّ كلّ فرد في لبنان يتسبَّب بمقدار يراوح ما بين 800 غرام و1000 غرام من النفايات يومياً. وافتراضاً أنّ المقيمين حالياً في لبنان هم 4 ملايين لبناني، يُضاف إليهم مليونا نسمة من نازحين سوريين وفلسطينيين وحاملي جنسيات أخرى عربية وآسيوية وسوى ذلك، فهذا يعني أنّ في لبنان نحو 6 ملايين مقيم.
وإذا تمَّ الأخذ بالرقم الأدنى، أيْ 800 غرام للفرد، يتبيَّن أنّ مجموع ما يتراكم من نفايات في لبنان، في اليوم الواحد، هو: 4800 طن، أيْ ما يعادل المليون و752 ألف طن سنوياً.
وكلفة الترحيل المتداوَل بها تراوح ما بين 230 دولاراً و250 دولاراً للطنّ الواحد من النفايات. واعتماداً على الرقم الأدنى، أيْ 230 دولاراً، فالكلفة السنوية للترحيل هي: 400 مليون دولار تقريباً. وإذا اقتضى الأمر على 18 شهراً، كان الرقم 600 مليون دولار.
لكنّ الموقت في لبنان غالباً ما يصبح دائماً، والمشكلة الجذرية، وفق الخبراء، هي أنّ لبنان غير مؤهّل لطمر النفايات فيه، ففي الساحل ليس هناك أماكن للطمر، وفي الجبال والبقاع هناك خطر على الثروة المائية. فبعض الذين تولوا الدراسات حتى اليوم لم يتنبَّه إلى وجود الشرايين المائية السطحية التي تغذي الخزانات الجوفية.
وفي أيّ حال، إنّ اعتماد مبدأ الفرز من المصدر يزيد تكلفة المعالجة 25% من دون مبرّر، إذا تمّ في شكل سليم. كما أنّ إعادة التدوير لا جدوى اقتصادية منها لأنّ ثمن المواد المفترض إعادة تدويرها، زهيد ولا يغطي تكلفته. كما أنّ الفرز وإعادة التدوير يوصلان كلفة معالجة الطنّ الى 60 دولاراً.
وأمّا الحلول المُثلى، وفق "الجمهوريّة"، فهي إنشاء المعامل التي تعتمد تقنية البلازما، التي تنتج الطاقة الكهربائية، والتي تعيد تفكيك الجزئية النووية الى نواتها، وفيها تنخفض كلفة الطنّ إلى 15 دولاراً. وهذه التقنية تعتمد ماكينات مرتفعة الثمن نسبياً، لكنّها ذات جدوى على المدى المتوسط.
وتمويل هذه التقنية متوافر من مؤسسات دولية متخصصة، شرط أن تكون إدارة هذا المورد عبر شراكة بين القطاع الخاص والبلديات وممثلي المجتمعات المحلية بعيداً من الحكومات التي لا تتمتع بالحوكمة الرشيدة.
وهذه التقنية تناسب لبنان حيث 60% من النفايات عضوية ولا تصلح إلّا للتسبيخ. وأما الـ40% الباقية فلا يصلح منها للتدوير أكثر من النصف، والباقي من الصعب إعادة تدويره. ويمكن هنا التوقف عند نفايات المستشفيات والمصانع، وهي الأخطر، ولا تصلح معها إعادة التدوير أو الطمر.
ولذلك، تبدو تقنية البلازما مناسبة لأنها تتكفل بالنفايات العضوية وغير العضوية على حدّ سواء. وبهذه التقنية تُستعمل كلّ المواد. وأما العوادم التي تقارب نسبتها الـ1% فيُعاد استعمالها كمادة في تزفيت الطرق.
ويمكن للقطاع الخاص أن يساهم في تمويل هذه التقنية. ولذلك، اقترح بعضُ المؤسسات الدولية تمويل مصانع نموذجية منها لكلّ محافظة أو قضاء ضمن الشراكة التي تطرحها المؤسسات الدولية، وبقروض ميسَّرة تمتدّ حتى 20 سنة بفوائد مدعومة لا تتعدى الـ1%.
واليوم، هناك ثلاث مناطق تتباحث حول هذه المصانع مع المؤسسات الدولية، وهي جبيل والمتن وصور.
إذاً، الكلامُ على ترحيل النفايات بـ400 مليون دولار سنوياً يبدو مجردَ مناورة، لأنّ أحداً لا يتحمَّل المسؤولية عن دفع لبنان خطوة أخرى إلى الإفلاس. وليس متوقَعاً أن تتمّ معالجة هذا الملف جدياً إلّا في ظلّ التسوية السياسية المفترَضة، كما الملفات الأخرى كقانون الانتخاب والانتخابات الرئاسية والنيابية.
مـــــــــقـــــــــالات ذات صـــــــــلـــــــــة
إقــــــرأ أيــــــضــــــاً
COOKIES DISCLAIMER
This website uses cookies to give you the best experience. By continuing to
browse this site, you give us your consent for cookies to be used.
For more information, click here.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك