تملك البعثات الديبلوماسية الاجنبية المعتمدة في لبنان من المعلومات الاستخبارية المباشرة او غير المباشرة ومن خلال العلاقة مع الجيش اللبناني ما يجعلها لا تهلع للكلام الذي صدر عن وزير الدفاع فايز غصن حول وجود لتنظيم القاعدة في لبنان. لكن ذلك لا يعني اهمال صدور هذا الموقف بالاستناد الى ما قيل انها معلومات توافرت لدى الوزير، مما سيخضع هذه المسألة لمزيد من المتابعة في الاتصالات او اللقاءات الديبلوماسية مع المعنيين في المرحلة المقبلة. علما ان ما صدر عن كل من رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي كما المجلس الاعلى للدفاع حول الموضوع يصب في خانة نفي هذه المعلومات لإدراكهم التبعات الخارجية المترتبة على اعلان مماثل لما ورد في كلام وزير الدفاع. وتقول مصادر ديبلوماسية معنية ان هذه الامور ستؤخذ في الاعتبار لان الدول الاجنبية تعلم جيدا طبيعة الوضع في لبنان وما يتفاعل من قوى على ارضه لكنها تحاول مواكبة كل جديد يمكن ان يطرأ على هذا الملف الذي تعتبره معقدا وشائكا ومربكا. فمن جهة، فإن كلام وزير الدفاع وضعه نفي والمرجعيات الرسمية اللبنانية التي تتلقى التقارير الاستخبارية نفسها من الجيش اللبناني ودحضت وجود معلومات كتلك التي ارتكز اليها، في اطار الكلام السياسي. وهذا امر غير مستبعد في رأي هذه المصادر نتيجة الانتماء السياسي لوزير الدفاع من جهة ولملاحظة المصادر المعنية وجود تجاذبات وارباكات في الموضوع السوري داخل الحكومة من جهة اخرى. وكان آخر تجليات هذا الارباك الموقف اللبناني في اجتماعات الجامعة العربية وتناقض المواقف في شأن التزام لبنان العقوبات العربية على النظام السوري.
وتعتبر هذه المصادر ان لبنان لا يزال يعاني النفوذ السوري ولو ان النظام يواجه تحديات مصيرية خطيرة، اذ ان حلفاءه في لبنان لا يزالون يدافعون عنه ويلتزمون خطه وهو لا يزال يتمسك بلبنان كأحد ابرز المجالات للتنفس على صعد عدة. ومن مظاهر هذا النفوذ ما يجري من خرق للسيادة اللبنانية وإرباك المسؤولين في التعامل مع الازمة السورية. لذا بدا ما صرح به وزير الدفاع والذي سارع النظام السوري الى توظيفه في التفجيرين اللذين حصلا في دمشق في اتجاهين: احدهما رمي خشبة خلاص للنظام واظهاره متمتعا بالصدقية امام الخارج وامام الرأي العام السوري في ظل الحملات الاعلامية التي يحاول تأكيدها هذا النظام منذ انطلاق الثورة السورية من انه يحارب التنظيمات "الارهابية" المسلحة. وهو أفاد من موقف وزير الدفاع اللبناني لإعطاء هذه التنظيمات وجها اضافيا مطلوبا ومُداناً لدى الخارج الغربي عموما وبعض الخارج العربي هو وجه تنظيم القاعدة. وهذه الحملات الاعلامية لم يقبضها الخارج باستثناء روسيا التي يمكن ان تعزز دعمها للنظام من خلالها قول النظام انه يواجه الارهاب عموما.
والاتجاه الاخر هو ما يمكن ان يستدرج لبنان الى أتون ما يجري في سوريا خصوصا مع عبور الجيش السوري الاراضي اللبنانية مرارا بذريعة ملاحقة مهربين او معارضين كما جرى في البقاع والشمال واحتمال استخدام هذه الذريعة في كل وقت علما ان السؤال الذي يثار في هذا الاطار هو هل يقبل النظام في سوريا ما سبق ان رفضه للبنان تكرارا ومرارا وما رفضه ايضا للامين العام للامم المتحدة الذي طلب من الرئيس السوري ترسيم الحدود مع لبنان ووضع مراقبين بعد العام 2005 وما شهده لبنان من تعديات وخروقات على صعد عدة.
وكانت هذه الطلبات من اجل منع عبور الاسلحة من سوريا الى لبنان ووضع حد للتنظيمات المسلحة خارج المخيمات وسواها وهو امر رفضه الرئيس السوري مثلما رفض الترسيم في مزارع شبعا. ومع شكوى النظام من تهريب اسلحة الى سوريا، وهو تهريب لا تنفي مصادر ديبلوماسية احتمالاته، لا بل تؤكد حصوله وفق تقارير متوافرة لديها، ثمة شكوك ان يقبل النظام السوري وضع مراقبين او ان يتولى الجيش اللبناني مراقبة شديدة للحدود المشتركة بين البلدين. اذ ان الاضرار التي يمكن ان تلحق بلبنان ان لجهة استقباله الفارين او اللاجيئن السوريين او لجهة التعديات او الخروقات لاراضيه يمكن ان تكون موضع متابعة ومساعدة من الخارج الحريص على ان يبقى لبنان بعيدا من تداعيات الازمة السورية. ولا تستبعد المصادر المعنية ان يشكل هذا الموضوع جزءاً من اي متابعة دولية في مجلس الامن للموضوع السوري كما ان يشكل جزءاً من الزيارة التي يقوم بها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لباريس قريبا، الى مواضيع اخرى تتصل بالتزامات باريس ازاء لبنان في موضوع باريس - 3 ومسائل اخرى. لكن لا يمكن لبنان ان يقبل مساعدة خارجية في موضوع الخرق السوري لاراضيه ولا النظام السوري يمكن ان يقبل بمراقبة حدوده مع لبنان حتى لو كان ذلك يؤدي الى منع التهريب، لان هذا الموضوع اي وجود اسلحة مهربة عبر الدول المجاورة يغذي كل المنطق الذي يواجه به المعارضين لحكمه، اي ان هناك مؤامرة ضده ممولة ومسلحة من الخارج.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك