جاء في صحيفة "اللواء": ما زالت الحكومة بحاجة إلى مزيد من الوقت لتلملم آثار ما أقدم عليه أحد الوزراء فيها. في تحليل الموقف وردود الأفعال؛ يظهر أن ما أعلن عنه الوزير فايز غصن كبير لدرجة أنه قد يقضي على مستقبله السياسي. المقتل في كلام وزير الدفاع ليس كشفه وجود عناصر لتنظيم "القاعدة" في لبنان، فهذا الأمر عادي إلى درجة عدم الاهتمام به – سواء كان صحيحاً أم لا-، فلطالما عانى لبنان ودول الجوار من "القاعدة"، ولطالما ووجهت هذه الحالة المتطرفة بالرفض الشديد من المجتمع اللبناني كله. المسألة ليست هنا، وإنما في ربط هذا الملف بما يجري في سوريا، وبما يعرض الأمن الوطني للخطر، إضافة إلى جملة ملاحظات خطيرة أخرى:
أولاً: استغل غصن زيارة بروتوكولية يقوم بها كبار ضباط الجيش اللبناني لوزير الدفاع لمناسبة الأعياد، فـ "كشف أمامهم عن معلومات تتحدث عن عمليات تحصل على بعض المعابر غير الشرعية لا سيما في عرسال، لتهريب أسلحة ودخول بعض العناصر الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة تحت ستار أنهم من المعارضة السورية". وبما أن وزير الدفاع ينبغي أن يستقي معلوماته من قيادة الجيش، فقد كان غريباً أن يتحول غصن إلى مصدر للمعلومات يبلغها إلى قيادة الجيش!. والأغرب من ذلك أن غصن عاد إلى اختصاصه- الصحافة- فقدم معلومات يصلح أن يكتبها صحفي، ولا تليق بوزير دفاع، لأن وزير الدفاع لا يقول "هناك معلومات تتحدث عن عمليات تحصل"، وإنما يضع الأدلة – وليس أي شيء آخر- التي تزوده بها قيادة الجيش أمام مجلس الوزراء، ويقدم كشفاً بالموقوفين والمضبوطات، ليُبنى على الشيء مقتضاه.
ثانياً: بعد ساعات على تصريحات الوزير غصن؛ طرأ تغيير على المضمون لدى الإعلام الرسمي السوري والإعلام اللبناني الحليف، ذلك أن الوزير تحدث عن "دخول بعض العناصر" إلى لبنان، في حين صار كلامه دليلاً على ما يدعيه النظام السوري لجهة "خروج عناصر من لبنان"، فثبت بذلك الاستغلال الذي يمس الأمن الوطني من قبل النظام السوري، ومع ذلك لم يصدر الوزير أي تصريح لاحق، ليحد من استغلال كلامه، إلى أن وقع انفجارا دمشق، فشكّل بذلك كلام الوزير غصن مستنداً ضد الأمن الوطني اللبناني، وبدا –بناءً لذلك- الوزير غصن كأنه وزير دفاع سوري في لبنان، يقدّم شيئاً من المصداقية لنظام افتقدها منذ زمن، ويبرر له انتهاكه السيادة البنانية في بلدة عرسال وغيرها!.
ثالثاً: زاد الطين بلة؛ أن وزير دفاعنا "الحريص على الأمن الوطني"، لم يصدر لليوم بياناً واحداً يدين انتهاكات الجيش السوري للسيادة اللبنانية، بما في ذلك دخول وحدات من هذا الجيش إلى الأراضي اللبنانية، وإقدامها حدودياً على التلغيم قبل الترسيم، وقتلها مواطنين لبنانيين، وإطلاقها النار على بيوت اللبنانيين وأملاكهم، بل استهداف مركبات للجيش اللبناني نفسه... ما فعله وزير دفاعنا كان العكس، فحتى لو ثبت وجود عناصر من "القاعدة" في بلدة عرسال، فليس من الدفاع عن الوطن منح النظام السوري أعذاراً ليدخل إلى هذه البلدة، ويكفي -والحال هذه- اعتقال المطلوبين، فكيف إذا كان كلام وزير الدفاع فاقد المصداقية بدليل تبرؤ وزير الداخلية ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية منه؟!.
رابعاً: بما أن تخبط وزير الدفاع نموذج لتخبط الحكومة كلها؛ فقد جاءت النقاشات داخل الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء –والتصريحات اللاحقة- لتعكس هذا الواقع، ففي الجلسة إياها انقسم الوزراء بين مؤيد لزميلهم الذي ينتمي إلى تيار "المردة" وبين معارض، وكأن المسألة خلاف بوجهات النظر حول مسألة سياسية، وقد نُقل عن وزير الأشغال غازي العريضي قوله: "هل نحن حكومة مسؤولة عن كل لبنان أم أننا حكومات لأكثر من طرف؟ وهل يجوز أن نرمي كلاماً في الهواء دون التأكد مما إذا كان مضللاً أم ملتبساً أم غير مبني على معلومات مؤكدة؟"... وحفظاً لماء وجه الحكومة، قرر رئيس الجمهورية دعوة المجلس الأعلى للدفاع للانعقاد في اليوم التالي لبحث المسألة (كان يفترض حصول العكس؛ أي أن ينعقد المجلس قبل اجتماع مجلس الوزراء ليضع أمام الحكومة تقريره بناءً على المعطيات التي بحوزته، عندها تقرر الحكومة اللازم).
خامساً: بعد انعقاد المجلس الأعلى للدفاع؛ خرج علينا وزير الداخلية بـ "ترقيعة" جديدة لكلام غصن؛ مفادها أن "لبنان يمكن أن يكون ممراً للقاعدة وليس مقراً لها"! وأضاف في مؤتمر صحفي «علينا أن لا نتدخل في الشؤون السورية من جهة، وعلينا ضبط حدودنا مع السوريين من جهة أخرى" دون أن يتطرق إلى مسألة قتل الجنود أو الشبيحة السوريين لثلاثة شبان في وادي خالد قبل أقل من 48 ساعة!، أما الوزير العريضي فكرر تصريحاته بالقول: "الحديث عن وجود القاعدة في عرسال إرتجال يمس الأمن الوطني العام"!.
سادساً: إزاء هذا الواقع؛ وبعدما تنصلت أطراف وزانة في الحكومة، ورئيسها، ورئيس الجمهورية، من كلام وزير الدفاع، وبهدف إسناد كلام غصن المتهاوي، كشفت الخارجية السورية على لسان الناطق باسمها أن المعلومات عن دخول عناصر لـ "القاعدة" من لبنان إلى سوريا "مصدرها وزارة الدفاع السورية"!. وبمحاولة النظام السوري إنقاذ اتهامه "القاعدة" بالوقوف وراء انفجاري دمشق، سدّد بشكل غير مباشر ضربة جديدة لمصداقية غصن، الذي يفترض أن يستقي معلوماته من وزارة الدفاع اللبنانية لا السورية!.
سابعاً: وحده "حزب الله" ذهب مع غصن إلى الهاوية -أكثر من "تيار" المردة نفسه الذي عمل على سحب الموضوع من التداول- فأصر على تغطية غصن سياسياً، وتولت أجهزته الإعلامية محاولات إعطاء المصداقية المطلوبة، لكن الحزب أوقع نفسه بالحرج مرتين؛ مرة لأنه حمّل نفسه ملفاً خاسراً على الصعد كافة، ومرة أخرى لأنه سبق أن أصدر بياناً اتهم فيه المخابرات الأمريكية بانفجاري دمشق، فناقض نفسه من جهة، وكذّب دقة تحقيقات حلفائه السوريين التي جزمت بأن الفاعل هو "القاعدة" من جهة أخرى، علماً أن "لقاعدة" أصدرت بياناً باسم "كتائب عبد الله عزام" نفت فيها علاقتها بـ "التفجيرات الآثمة التي استهدفت العاصمة السورية الجمعة الماضي".
في محصلة هذا المشهد؛ يبدو واضحاً أن ارتجال وزير الدفاع قد أحرج الحكومة وقصّر في عمرها، وأظهرها بشكل أوضح –حكومة سوريا في لبنان!.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك