الجميع أمام الجدار في سوريا. لا أحد يقدر على مزيد من التقدّم. دوّامة العنف التي انطلقت لامست حدّ الانفجار. واستمرار الوضع على ما هو عليه يعني الانتقال إلى مرحلة خطيرة للغاية من الشحن. واقع سوريا اليوم، بعد نحو شهرين من الاحتجاجات والتحركات الشعبية والأعمال الأمنية وآليات القمع، والخطوات الإصلاحية للنظام، وقلق الأهالي، ونوبات الخارج المستعدّ للتدخل، ينذر بما هو أصعب. وهذا يشرح بعض القلق الذي ينتاب معارضين سوريّين مخلصين، فتراهم يدعون إلى الوقوف لحظة تأمل. كل ذلك يقود إلى نتائج بديهية:
أوّلاً: أن سوريا لا يمكنها العيش خارج سرب الإصلاحات التي يشهدها العالم العربي، وأن أيّ علاج لحركات الاحتجاج لن يقفل هذا الملف.
ثانياً: أن أيّ إصلاحات منتظرة، لم يعد أحد من المعارضين قادراً على أن يضعها في سياق إسقاط النظام. فقد أظهرت 7 أسابيع أن مجموع الذين خرجوا الى الشارع لا يمثّلون أغلبية حقيقية. وهذه حقيقة بمعزل عن الرغبات التي قد تدفع مغالين من المعارضة إلى قول العكس، كما أن شعار إسقاط النظام تحوّل ـــــ بمعزل عمّا أوصل الأمور إلى هنا ـــــ إلى مادة تعبئة وشحن، لها ما يؤثّر سلباً في الكثير من المواجهات الدموية، لكن على النظام أن يدرك أن عدم رفع شعار إسقاطه يعني منحه الفرصة الأكبر للدخول في عملية تنفيذ الإصلاحات بصورة سريعة، شفّافة، وذات نتائج عمليّة.
ثالثاً: أن التعقيدات التي رافقت موجة الاحتجاجات دلّت، مباشرةً، على خطر حقيقي وغير مفتعل، وهو ليس وهماً، يتمثّل في خطر الحرب الأهلية، التي سوف تمزّق سوريا وشعبها، وهي مع الأسف حقيقة أقوى من كل التنظير السياسي وخلافه.
رابعاً: أن حصول تدخّل من الخارج بات أمراً موثّقاً، وأن تورّط مجموعات أردنية وفلسطينية وسعودية وجهات مسلحة تتبع للإخوان المسلمين بات أيضاً حقيقة توجب على السلطات في سوريا حسن تظهيرها. وربما يجب أيضاً على السلطات السورية اللجوء إلى آليّة تتيح لها إقناع شعبها أوّلاً، والعرب ثانياً، وأهل الإقليم والعالم ثالثاً، بأنّ ثمّة أجهزة أمنية عملت على استغلال الاحتجاجات المطلبية، وفتح باب التخريب لجرّ سوريا إلى مستنقع المواجهات، في سياق وهم تكرار تجربة شرق ليبيا. وقد يتطلب الأمر من السلطات حضور لجنة مراقبين من روسيا، تركيا، أو أيّ جهة مستقلّة، موثوق بها من جانب السلطات ومن جانب العالم، لبتّ الأمر وتظهيره للجمهور.
خامساً: أن التعبئة الطائفية والمذهبية التي قامت، سواء بقرار أو برد فعل أو بشعور غرائزي، أدّت إلى نتيجة واحدة، هي اصطفاف قسم كبير من السوريين خلف متاريس تنذر بكوارث سيكون لها آثارها المدمّرة على البلد، وعلى المحيط القريب وحتى البعيد.
سادساً: أن سبعة أسابيع من التحركات الشعبية عكست مرةً جديدة الغياب الواضح لمعارضة منظّمة، وأظهرت قسماً كبيراً من الانتهازيين، من داخل سوريا وخارجها، يقبض بعضهم الأموال من الأميركيين والأوروبيين (آخ لو تنطق ويكيليكس)، ويضم جيش هؤلاء ليبراليين، وإسلاميين، ويساريين ومستقلين، لكن معظم المقيمين منهم في الخارج يطالبون الغرب اليوم بالعمل بكل الطرق لإسقاط النظام في سوريا، وهؤلاء هم أسوأ ما في سوريا. ولا يشبههم سوى بعض الأبواق الذين تطوّعوا لخدمة النظام في سوريا، لكنّهم أساؤوا أكثر ممّا أفادوا، حتى لو حصلوا على الثناء من النظام في دمشق، وإن تدخّل بعض اللبنانيين منهم هو تماماً كأنصار تيار «المستقبل»، الذين تورّطوا في دعم معارضين للنظام.
سابعاً: بما أنّ المبادرة لا تزال، حتى إشعار آخر، بيد النظام، فإنّ على القيادة السورية القيام بخطوات من أجل احتواء الموقف واستيعاب الوضع وتنفيس الاحتقان، وإعطاء الإشارات العملانية إلى الدخول في مرحلة جديدة. وليس أفضل من الدعوة إلى مؤتمر حوار وطني شامل، تكون وظيفته الإعداد لانتخابات نيابية بعد إقرار قوانين جديدة للاقتراع، وللأحزاب والإعلام وللسلطات القضائية المشرفة عليها.
ثامناً: يصعب على أحد التحكّم في الأمور ومآلها، لكن يمكن كثيرين التوقّف عن صبّ الزيت على النار. وهو كلام يخص بدرجة أولى وسائل الإعلام العربية، التي باتت في الآونة الأخيرة محلّ تندُّر لجهة فقدانها الموضوعية والصدقية، كذلك وقف حملات التشهير التي يقوم بها إعلام تابع للدولة السورية أو مناصر لها، وهي حملات تذكّر بمحاكم التفتيش، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بأشخاص ليسوا في المعسكر الآخر.
ما تمرّ به سوريا اليوم، صعب للغاية، ويبدو أنّ خطورته أكبر بكثير ممّا يظنّ كثيرون، وربما يجب فتح الأعين على أشياء كثيرة مقبلة على المنطقة، يمكن أن تُفهم من خلالها أبعاد عمليات التحرش الخارجية بالنظام في سوريا. وأبرز ما يفترض بالمراقب الانتباه إليه الآن، هو أنه يفترض في وقت ليس ببعيد أن تنسحب القوات الأميركية من العراق. وهذا إن حصل في موعده فسوف يجعل المنطقة تنتقل سريعاً الى وضع مختلف جذرياً عمّا هو عليه الآن. فهل يعقل أن يترك الأميركيون المحور المعارض لهم في حاله بعيداً عن الانفجارات التي تصيب دول محورهم؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك