مع انتخاب مار بشارة بطرس الراعي بطريركا على انطاكية وسائر المشرق، لا تتردَّد الطوائف المسيحيَّة الأُخرى في مواكبة هذا اليوم الماروني الذي قد يشكِّل منعطفاً إصلاحيّاً جامعاً، لطالما افتقده الموارنة المنقسمون حتى المواجهة، مثلما انتظره لبنان على رجاء القيامة وعودة الروح والالفة والوحدة لوطن مزَّقته الخلافات على المناصب والمكاسب والمسالب.
يوم ماروني لكل لبنان، اغتنمته العائلات الروحيَّة للمشاركة في التهنئة، آملة ان يكون البطريرك الجديد خير خلف لخير سلف، ساعياً بكل جوارحه وما يختزنه من ايمان وصفاء الى لملمة الصفوف، والحفاظ على لبنان النموذج والرسالة سيداً حراً مستقلاً واحداً، والانفتاح على كل لبنان في محاولة جادة لترميم التداعيات والانهيارات التي فرَّقت وزعزعت وباعدت، ولم تبق ولم تذر.
نعم، بالشركة والمحبَّة والانفتاح يُعاد تشريع الأبواب الموصدة، والقلوب المغلقة، والعقول المقفلة، كما يستعيد لبنان بعضاً من زمن الصفاء والانصهار والتعاون بين مختلف الطوائف والانتماءات، حيث استطاع بلد متوسطي يمثّل نقطة صغيرة على خريطة الشرق الأوسط أن ينال إعجاب البابا يوحنا بولس الثاني، وتالياً تقدير المجتمع الدولي وتنويه الشرعيَّة الدولية، واحترام الصالونات والأندية الثقافية والابداع في العالم.
الوطن النموذج الرسالة خسر الكثير من كل ما أُعطي من فرادة وصيغة، حتى بهتت صورته، وتراجعت فرادته، وتداعت صورته.
تماماً، مثلما خسرت الطائفة المدلَّلة التي كانت في الطليعة، وفي كل المناصب، وتكاد تحجب كل الخصائص والمكاسب وتحصرها بذاتها أو بفئة ممن ظنّوا أن مجدَ لبنان أُعطي لهم دون الآخرين. مجده وسلطاته وخيراته وبقراته الحلوب ودجاجاته التي تبيض ذهباً.
حتى انهارت السيبة، وتشلَّعت الخيمة، وتفرقت الصيغة أيدي سبأ.
وواقع الحال، واقع لبنان و"العائلات" التي كانت روحيَّة متآخية متصافية وصارت معسكرة ومتواجهة حتى النزال والمبارزة، هذا كله لا يترك مجالاً لإفاضة في الشرح والاسهاب.
هذا كلُّه، فضلاً عن الهجرة والتشتّت والطلاق مع الوطن الذي لم يمكنوه من أن يصير وطناً، في انتظار الراعي الصالح الذي سيرسم لخراف الطائفة المزعزعة طريق العودة الى الثوابت اللبنانية، والى ذلك الدور الريادي وذلك اللبنان الذي نخرته الصراعات والمزايدات والشهوات المنفلتة، والسباق المستعر الى الكراسي والمناصب والمسالب.
لا يحتاج البطريرك الراعي الى مَنْ يذكِّره بالوهن الذي أصاب الموارنة زرافات ووحدانا، وبحاجة الطائفة الى مراجعة ذاتية شاملة. بل الى عمليّة نقد موضوعي لا يترك شاردة أو واردة. والى ترميم على مختلف المستويات، مع تشديد على وجوب العودة الى الجذور، والقواعد، والتقاليد العريقة والأعراف التي لا تختلف عن النواميس والدساتير.
ليس بالخبز وحده يحيا الانسان. وليس بالسياسة وحدها يحيا لبنان. وليس بالصراع على السلطة يُعطى مجد لبنان. وليس بالحقد وحده تُبنى الطوائف وتُبنى الأوطان.
المصارحة واجب دافعه المحبة أيضاً، وهاجسه الخير. فالبطريرك الراعي رسم من أول الطريق شعار خدمته البطريركية على أساس الشركة والمحبة، "من الكنيسة الى العائلة فالوطن".
في هذا الزمن الصعب، لا يملك اللبنانيّون إلا أن يراهنوا على بطريرك يدرك جيّداً حجم الاهتراء والتآكل الذي أصاب الطائفة – العائلة، وضرب الوطن في رسالته ونموذجه ووحدته.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك