رأى الخبير في السياسات العامة واللاجئين زياد الصائغ، ان التعاطي مع تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي حمل عنوان "كيفية التعامل مع أزمة النازحين واللاجئين"، يتطلّب سلسلة إجراءات، يأتي في مقدّمها "تسمية مرجعية وطنية تُعنى بملف اللجوء الفلسطيني والنزوح السوري، على أن يرافقَها حركة ديبلوماسية لبنانية نشِطة تصوّب المسار الخاطئ في التقرير".
ووضع الصائغ التقرير "في سياق فشلِ الأمم المتحدة في إدارة الأزمات السياسية وإطالة أمد حلّها، وارتباك هذه المنظمة الدولية أمام نفوذ القوى الكبرى"، وقال لـ"الجمهورية": "إنّ تقرير بان كي مون هو تقرير إداريّ غير قابل للتنفيذ بالمعنى السياسي الوطني القانوني والإداري، لكنّه قد يصبح أمراً واقعاً على الدول المُضيفة، ولدينا تجربة حيّة مع اللجوء الفلسطيني مع اختلاف المقارنة بالمعنى الاستراتيجي، على قاعدة أنّ النازحين السوريين سيعودون إلى دولتهم بشكل طوعي أو قسري، في حين أنّ اللاجئين الفلسطينيين حتى الآن لا إمكانية لعودتهم وتزويدهم بأرقام وطنية فلسطينية".
واعتبر أنّ "إعادة التوطين في بلد اللجوء أو في أي بلد ثالث ليس بأمر جديد على الأمم المتحدة"، مُحذّراً من الخطر الكبير في تقليص خدمات "الأونروا"، والسعي إلى نقلِ مشكلة اللاجئين من المستوى الدولي الى الإقليمي فالمحلي.
وذكّر الصائغ بمسار تعاطي الحكومة اللبنانية مع أزمة النازحين منذ اندلاع الأزمة السورية. وقال: "بين العام 2011 و2012، تغافلت الحكومة اللبنانية عن وجود أزمة. من 2012 و2014 أصرّت على البعد الإنساني التمويلي، ومحاولة استجلاب الأموال، وتُرجِم هذا الطرح بتقرير للبنك الدولي، لحظ الانعكاسات المالية والاقتصادية للأزمة، وبقينا في دوّامة طلب الإغاثة"، ورأى أنّ ما فعَله لبنان هو أقلّ ما يمكن أن يقدّمه إلى أناس عانوا الألم والتشرّد، وبحكم الأخوّة العربية والتفاعل الإنساني بين الشعبين، لكن في الوقت عينه "مشكلتُنا أنّنا تركنا الحدود مُشرّعة، لم يكن لدينا دراسة استباقية على غرار الأردن وتركيا".
ولفت الى ان "وزارات العمل والداخلية والصحة والشؤون الاجتماعية لم تميّز بين الكتلة العاملة واللاجئة"، مضيفا: "الأمن العام فقط منذ سنة وضع تدابير إدارية. لم ننظّم قانونياً مسألة الولادات، فاقدو الأوراق الثبوتية لديهم أوراق فقط من الأمم المتحدة، فضلاً عن ذلك «أقَمنا خليّة وزارية يعمل فيها كلّ وزير حسب مقتضيات وحاجة وزارته، وليس وفق سياسة عامة".
وأشار الصائغ الى أنّه كان يُفترض على الحكومة "إنشاء مراكز إيواء مُحدّدة المعالم جغرافياً، ولم يطبّق ذلك لتعارضه مع مصالح الأفرقاء، ممّا شتّت وجود النازحين". وتابع: "إنّ مصلحة الدولة تقتضي ضبط النزوح الديموغرافي وتحديد طاقة الاستيعاب وضبط المساعدات، وتأمين الشفافية على مستوى الخدمات التربوية والاستشفائية، وضبط الأمور أمنياً حُكماً".
ووجد الصائغ فرصةً يمكن استلهامها من نقلِ المجتمع المدني والنخب الفكرية مستوى النقاش وربطه بالأمن القومي اللبناني وليس بمصالح الأطراف السياسية الضيّقة. وقال: "مارَسنا السياسة في قضية النزوح ولم نرتقِ إلى مستوى السياسات المرتبطة بالمصلحة الوطنية العليا والأمن القومي، فلم نوحّد المرجعية ودخَلنا في الديماغوجيا وردّات الفعل والارتجال".
واقترح الصائغ "سلسلة إجراءات تتضمّن ضرورة عقدِ جلسة رسمية للحكومة يضع فيها الوزراء الحلول العملية لقضية النزوح السوري على المدى القريب والمتوسط والبعيد، وتأمين الرقابة على كلّ مصادر التمويل التي تأتي، وتنظيم عمل المجتمع المدني الذي يبذل جهداً هائلاً في مجال إغاثة النازحين، وتسمية مرجعية وطنية تُعنى بملف اللجوء الفلسطيني والنزوح السوري وتنسّق مع الوزارات، على أن تُرَفّع تلك الهيئة إلى مستوى وزارة فور انتخاب رئيس وتشكيل حكومة"، مشددا على أنّ الرفض لِما ورد في تقرير الأمم المتحدة يجب أن يترافق مع حركة ديبلوماسية لبنانية ليست رفضية فقط بل تحاول تصويبَ المسار الخاطئ، الذي ارتكِب في التقرير.
وختم الصائغ بضرورة "تنبُّه لبنان إلى مؤتمر السلام الدولي الذي سيُعقد في باريس في 3 حزيران المقبل، لإعادة إطلاق محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث ستتمّ مناقشة قضية اللاجئين."