يسألون "14 آذار" و"القوات اللبنانيّة" أين الحكومة والدّولة اليوم؟ لكأنّ "القوّات اللبنانيّة" تملك ترسانة صاروخيّة ولكأنّها تملك أسلحة فرديّة دجّجت بها عناصرها، أو لكأنّ "14 آذار" هي التي توقف مسيرة تشكيل الحكومة ومصير البلاد بأسرها لأجل وزارة سياديّة أمنيّة هنا أو حقيبة عائليّة هناك. ويلوموننا متى تحدّثنا عن الوضع الاقليمي، وهم بكلّ شفافيّة ومن دون مواربة يدعمون الثّورة متى رأوا فيها خدمة لمصالحهم الفرديّة – الطائفيّة – المذهبيّة ويشجبون الثورة متى كانت إسقاطا لوالي نعمتهم في الشّام. لكن السّؤال المطروح في كلّ هذه المعادلة لما يخافون من حكومة غير سياسيّة تسيّر شؤون البلاد والعباد؟ هل طرح الآراء السياسيّة على طاولة حوار مثلا، من دون تعطيل البلاد لا يأتي بمنفعة؟ ما هي أهدافهم من وراء الحملة على "14 آذار"؟
بكلّ بساطة الأجوبة عن هذه الأسئلة واضحة جداً: إمّا دولتهم أو لا دولة، إمّا ثورة تخدم ولاية الفقيه أو لا ثورة بل يتبجّحون في القول انّ هذه الثّورة إنّما هي في خدمة الأمبرياليّة العالميّة والاستكبار الدّولي والصهيونيّة الجديدة. أرادوها حكومة لهم وحدهم الا أنّهم لم يتوافقوا على تقسيم الحصص. وهذا خير دليل على أنّهم مجموعة هجينة لا يجمعها سوى المصلحة الشخصيّة التي تخدم الفرد وليس الجماعة. ويأخذون علينا متى نرفض حكومة وحدة وطنيّة لأنّنا جرّبنا هذا الطّرح وأثبت فشله لأنّه لم يكن يوما صادقا. حتّى حكومة الوحدة متى تعارضت مع مصلحتهم عطّلوها وبأيّ اداة؟ بإنكار كلّ المواثيق والمعاهدات التي وقّعوا عليها في الدّوحة وبواسطة الارهاب والعنف المنظّمين. نعم عنفهم منظّم وغير مباشر لن نستذكر لا هيبة السلاح ولا الدّخول الاستعراضي إلى حرم مطار رفيق الحريري الدّولي ولا حتّى القمصان السّود والمفاعيل التي جرّتها، الا أنّ سحرهم انقلب عليهم وبات من أرادوه طروادة ليدمّروا حصن بيروت المنيعة والممانعة أحرقته أيديهم والتهمتهم ناره.
أمّا الحليف المسيحيّ لـ "8 آذار" الذي ما زال يتمتّع بنسبة تمثيل مسيحيّ لكن ليس الاكثريّة إمّا أن يحفظ حصّته العائليّة والزبائنيّة وإمّا أن يوقع الهيكل حتى على رأس حلفائه. لكن ألا يمكن أن نظنّ ولو للحظة خاطفة بأنّ اللاحكومة واللاحكم هو وضع يناسب تموضعهم الاستراتيجي داخل دولة ما أرادوها إلا لهم؟
هذه نظريّة يطرحونها ولا يستميتون لتثبيتها، بل يكتفوا فقط بالهمس. لكن البلد معطّل ومشلول وهم روّاد ثقافة الشّلل التي لن تؤذي الا أرجلهم التي ستلتهمها نار الحقد والأطماع والمصالح الاقليميّة التي ارتهنوا بدورهم لها ورهنوا حليفهم المسيحيّ بها وبات اليوم كعصفور غرّيد بالحرّية ينعم بما جاد عليه سجّانه داخل قفص العبوديّة والذّمّيّة.
ويلوموننا متى تحدّثنا عن وضع إقليميّ ما يدور في فلك المنطقة. ومن الطبيعيّ أن يؤثّر على مسيرة الأوطان بأسرها، وليس فقط على مسيرة وطننا. ماذا وإلا كانت سوريا لتوعز إلى أزلامها المسيحيين وغير المسيحيين بتسهيل أمر الحكومة ومتابعة سير الحياة اليوميّة في ما تبقى من كيان لدولة لبنانيّة أرادوها غير ذلك بكثير. حبّذا، لكنّ التّاريخ لو عاد وكرّر نفسه بنفسه، الا أنّ السّياق العام للتّاريخ يختلف إذ لا وجود لسياق خاص في صيرورة التواريخ، والتأريخ كفيل بتثبيت هذه النّظريّة.
فنحن ننادي باستقلاليّة لبنان وهم ما زالوا على نفس الوتيرة منذ أكثر من ثلاثة عقود خلت، فيردّدون مقولة أمن لبنان من أمن سوريا. نسألهم أين كان أمن لبنان يوم كان الأمن ممسوكا في سوريا؟ أولم نكن على الجبهات وتحت مصقلة الاغتيالات؟
يجرؤون التحّدث عن وثائق سرّيّة الا أنّ بالنّسبة إلينا مضمونها علنميّ لا يقبل الجدل. فما نقوله في مجامعنا المصغّرة هو نفسه ما نردّده على شاشاتنا وفي إعلامنا. فنحن قوم لا نخجل بإيماننا إذ نجاهر به ونذهب حتّى الصّلب. وهذه مسيرة تتطلّب الكثير منهم ومن حليفهم المسيحي الذي يعتبر نفسه دائما الأقوى، الكثير الكثير ليفهمونها.
اليوم وبعد استذكار أحداث أيّار في وضح النّهار، نبقى نحن هنا كما كنّا رقمًا صعبا لن تستطيعوا هكذا بكلّ بساطة سلب دماء ثلاثة رؤوساء شهداء ولا حتى ملايين القطرات من دماء الصحافيّين والنّوّاب الأحرار التي سالت على مذبح الوطن. والأكثر لن تتمكّنوا من تغيير مسار دماء شهداء أرادوها حياة لشرايين الأرز الاخضر الذي لا يعرف اليباس.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك