بغض النظر عن الرهانات الخليجية - القطرية - السعودية على إدخال سورية في أتون حرب أهلية، بعد الفشل الذريع في الجامعة العربية، فإن الأزمة السورية وُضعت على سكة الحل، في ضوء إخفاق مجلس الأمن الدولي في تحقيق المآرب الأميركية - الغربية - الخليجية، بعد رفع روسيا والصين، ومعها دول "البريكس"، البطاقة الحمراء للمشروع الإمبريالي الهادف إلى تدمير دول المشرق العربي، وكذلك دول المغرب العربي.
تنتهي المواجهة الغربية بقيادة الولايات المتحدة، التي حشدت لها كل الأدوات العربية الجاهزة للامتثال، والمملوءة حقداً غير مسبوق في مجلس الأمن، بالضربة القاضية الروسية الناعمة، التي تشبه إلى حد بعيد الموقف الروسي في دورة خريف عام 1960 للأمم المتحدة؛ حين رفع الزعيم السوفياتي نيكيتيا خروتشوف حذاءه ودق به منصة الأمم المتحدة، تصدياً لمقاطعته من قبل الحلف الأميركي - البريطاني وإحداث جلبة أثناء إلقائه كلمته، حتى باتت تلك الدورة الشهيرة للأمم المتحدة معروفة باسم "دورة حذاء خروتشوف"، حين تم وضع حد للاندفاع الغربي، ولو بعد حين.
جلسة مجلس الأمن الثلاثاء الماضي تشبه إلى حد بعيد مضمون دورة الحذاء الروسي تلك، حيث إن الولايات المتحدة جلبت بريطانيا وفرنسا وألمانيا والبرتغال وملحقات أخرى للانتقام من سورية، بعدما فشل الأعراب في تطويعها عن قرب، لعل التحكم عن بعد يكون أصلح، أو على الأقل يبني قاعدة للارتكاز.. إلا أن الجلسة الافتتاحية جاءت مخيبة لآمال المخططين، وتحولت إلى مهرجان خطابي من الدرجة العاشرة، حيث لم يعد للسياسة مكان مع لغة الشتائم والانتقام التي اعتُمدت من الشيخ حمد، إلى السيدة الأميركية، حيث إن حمد وإخوانه اعتادوا أن يكون لهم سيدان وأسياد من الطراز الذي يشهده العالم، فكانت كلمات وزراء خارجية الدول العظمى الثلاث أشبه بكلمات بمخاتير في قرى نائية.
في كل الأحوال، لم تنتج المواجهة التي بدأها حمد واستكملها نبيل العربي؛ أمين عام الجامعة العربية، أي فكرة جديدة سوى مزيد من التراجع عن الغلواء بضرورة التدخل العسكري والحظر الجوي ومحاكمة النظام، إلى مجرد أي عقوبة اقتصادية لم يجاريهما فيها الغرب، الذي شدد على إنكاره بأن المشروع لا يتضمن أي تدخل عسكري أو إسقاط النظام، وهو ما عبر عنه وزيرا خارجية فرنسا وبريطانيا، حيث قال الأول: "ليست لنا أي نية لفرض أي حل على النظام من الخارج"، فيما قال الثاني: "إن الغرب لا يحاول أن يملي على سورية ما تفعله.. إنها الدول العربية التي تحث مجلس الأمن.. القرار لا يضع الأمر تحت الفصل السابع"، وإضافة إلى هذين الموقفين الذين يبطنا تخلياً عن "قداسة" إسقاط النظام، كما كان يسعيان، فإن موقف السيدة كلينتون لم يتجاوز لغة الشتائم، التي على ما يبدو تعلمتها من نائبها جيفري فيلتمان.
لا شك أن الموقف الروسي - الصيني الذي يؤكد على أن الحل لن يأتي من الخارج، بل تقوم به سورية نفسها، أعاد الأمور إلى نصابها، أو إلى المربع السوري حصراً، سيما أن التواطؤ والتآمر الخليجي وبعض المرتشين العرب من الغرب، لن يأتيا أكلهما بعد اكتمال الفضيحة المجلجلة التي كشفها رئيس فريق المراقبين العرب الفريق محمد أحمد الدابي، الذي قال بصريح العبارة: "إن المعارضة السورية لا تتعاون مع وفد المراقبين، وهي لا تريدنا أن نعمل، لكي يذهبوا بالملف إلى مجلس الأمن".
الجدير بالذكر في هذا السياق، أن يوم موافقة سورية على قبول فريق المراقبين، وتوقيع البروتوكول مع الجامعة العربية، كان الخليجيون يظنون أن سورية سترفض، فينقلون المسألة مباشرة إلى طلب عون دولي للتدخل، ولما وافقت وفاجأتهم، قال الأمين العام للجامعة العربية: "دي ليلة مهببة" للشيخ حمد.
يبدو أن الليلة "المهببة" تكررت للشيخ حمد ومن خلفه سعود الفيصل، بعد الذي جرى في مجلس الأمن، حيث إن الراية الروسية المرفوعة لم تحتج حتى إلى وجود وزير الخارجية، مقابل الحشد الغربي والمستعربين، فاكتفت - وكذلك الصين - بالمندوبين في مجلس الأمن.
الصورة تعني بكل بساطة عودة الملف إلى الحضن السوري، حيث إن سيناريو التسليح والتمويل هو الباقي في جعبة الدول الحاقدة على سورية، من أجل دفع البلاد تجاه حرب أهلية، وهو ما يتشدق به الشيخ حمد والسيدة كلينتون كمخاوف، لكن من يعرف الوضع السوري، ورغم ارتكاب المسلحين جرائم مذهبية، يدرك أن الأمور لن تذهب إلى حرب أهلية، ولذلك فإن الفشل سيكون النتيجة الحتمية لهذا السيناريو، تماماً كما فشل سيناريو التدخل الخارجي عسكرياً لتبرير غزو سورية، إن كان عبر الناتو أو عبر الأمم المتحدة، ولذلك سيبقى السيناريو السوري هو الحل، أي السير بالتعديلات والإصلاح والحوار، وضرب أوكار الإرهاب، بغض النظر عما يدعمه ويقف وراءه، أي إن النظام في سورية سائر في "روزنامته" الخاصة، ولذلك شاهدنا الرئيس الأسد يجول على جرحى القوات المسلحة، واثقاً من خاتمة ستكون في مصلحة سورية، التي على صخرتها كانت تتكسر المؤامرات دوماً، وستكون أولى المظاهر عودة تركيا إلى رشدها، وستشهد على أنها أخطأت.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك