إذا كان الجوّ الإقليمي ملبّداً ودقيقاً وخطيراً، هل من الممكن الاعتقاد بأنّ إحداث خرق سياسي على مستوى رئاسة الجمهوريّة مسألة واقعيّة؟
خلال المرحلة الأخيرة، بدا واضحاً أنّ الرئيس سعد الحريري الذي أجرى جولات متلاحقة من المباحثات السرّية مع الوزير جبران باسيل بات جاهزاً للسير في خيار العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. وخلال شهر تموز الماضي حقّقت هذه المباحثات تقدماً كبيراً واشترك في جانب منها السفير السعودي السابق في لبنان علي عواض عسيري، وفتح نادر الحريري محادثاتٍ سرّية مع حسين خليل مساعد الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله حول وصول عون والضمانات التي يطلبها الحريري.
كلّ هذه الورشة اصطدمت بالرفض السعودي والذي تُرجم لاحقاً بما يشبه إقالة عسيري من موقعه في لبنان. يومها تيقّن الجميع أنّ الحريري المحاصر لا بل المختنق بفعل أزمته المالية وأزماته السياسية وحالات التمرد على زعامته، بات مندفعاً في اتجاه خيار عون.
وبعد نكسة آب والمتمثلة في عدم تجاوب السعودية، عاود الحريري تواصله السرّي مع عون ونقل عن الحريري قوله للحلقة الضيّقة القريبة منه إنّ عون ضمن له صيغة حكم تقوم على المشاركة لا المشاكسة وعلى التعاون لا التقاتل. وتسلّح الحريري بنصيحة رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع الذي قال له: أنا وأنت نستطيع التحكم بمجلس الوزراء حيث القرار الفعلي والإدارة الفعلية للبلد.
انطلق الحريري في اتجاه الرياض لنيل بركة الملك. يُقال إنّ الحريري ينتظر اجتماعاً مع العاهل السعودي بين ساعة وأخرى لانتزاع موافقته، فيما تروي مصادر أخرى أنّ اللقاء المتوقع سيحصل ولكن مع وليّ وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان وستكون الطبق الأساس فيه أزمة "سعودي أوجيه". لكنّ أوساطاً ديبلوماسية ترى تبسيطاً كبيراً للصورة السياسيّة.
فإيران اشتبكت مع السعودية عن سابق تصوُّر وتصميم وتخطيط ووفق عناوين شديدة الحساسية وسريعة الاشتعال تتّصل بالدين والعقيدة. الاشتباك له علاقة بالنّية الإقليمية لتصعيد الموقف وإجهاض الاتفاق الكبير حول سوريا. اشتباك رافقه إطلاق صاروخ باليستي الى الداخل السعودي، فهل يُعقل وسط هذا التوتر الخطير الموافقة على تسوية في لبنان؟ وعلى افتراض أنّ السعودية ستدخل لسبب ما في تسوية جانبية حول لبنان، فهل إنّ ذلك سيحصل من خلال الحريري أم من خلال جهة دولية كبرى هي الولايات المتحدة الأميركية؟
أضف الى ذلك أنّ حقيقة المسألة لم تعد محصورة باستحقاق رئاسي فقط بل بسلّة تفاهمات دقيقة تطاول كامل الصورة لاحقاً، كما أعلن الرئيس نبيه برّي مباشرة وربما باسم "حزب الله" هذه المرة ولو من دون الإعلان عن ذلك.
فقد سبق لـ"حزب الله" أن أبلغ نادر الحريري معارضة الحزب إطلاق يد "المستقبل" في الملف الاقتصادي، كذلك لا يبدو "حزب الله" موافقاً على اتفاق قيل إنه حصل بين عون وجعجع على إسناد وزارة الداخلية الى النائب ستريدا جعجع. كما أنّ "حزب الله" يريد قانون انتخابات جديد يقوم على النسبية الى جانب التفاهم على الرئاسة.
عقد كبيرة لا يمكن حلّها إلّا من خلال إرادة دوليّة كبيرة يبدو أنّها غارقة في الملف السوري الصعب والمعقد، ما يعني أنّ على لبنان الانتظار وربما التحضير للانتخابات النيابية لا الرئاسية.
من مقال جوني منير في "الجمهوريّة"