ألقى رئيس مجلس الوزراء تمام سلام كلمة لبنان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال:
كما ننوه بالجهود التي بذلها الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون طيلة توليه مهماته على رأس هذه المنظمة الدولية، ونشكره على الأهمية التي أولاها للمواضيع المتعلقة بالشرق الأوسط وبلبنان.
وأغتنم هذه المناسبة، لأؤكد التزام لبنان القيام بدوره كاملا لتحقيق الأهداف السامية لهذه المنظمة، التي كان له شرف المساهمة في تأسيسها. وأول هذه الاهداف حفظ الأمن، ونشر السلام في العالم، وحق الشعوب في تقرير مصيرها واحترام حقوق الإنسان.
ولعل أبرز هذه المحطات توقيع ممثلي 175 دولة اتفاق باريس حول التغير المناخي، الذي جرى في هذه القاعة في نيسان الماضي، والقمة الانسانية التي عقدت في اسطنبول في شهر أيار.
إن لبنان، إذ يشدد على تنشيط عمل الجمعية العامة لجعلها أكثر فعالية في معالجة القضايا التي تهم الإنسانية جمعاء، يأسف لأن يكون مجلس الأمن قد أخفق مرارا في معالجة النزاعات التي تعصف بالعديد من الدول، ولا سيما في منطقتنا، ويؤكد على أهمية إصلاح هذا المجلس، بطريقة تعكس الوقائع السياسية والاقتصادية والديموغرافية، المستجدة في العالم.
إن جميع الدول الشقيقة والصديقة، وكل المطلعين على الشأن اللبناني، يعرفون خصوصية الواقع السياسي في بلادنا، ومدى تأثره بالعوامل الخارجية، وفي مقدمها التجاذب الاقليمي الحاد، الذي تحول صراعا مفتوحا على مساحة المنطقة.
ولذا، فإن الواقعية تفرض علينا الإعتراف بأن حل مشكلة الشغور الرئاسي في لبنان ليس في أيدي اللبنانيين وحدهم.
إنني أوجه نداء إلى كل أصدقاء لبنان ومحبيه، وإلى كل الحريصين على عدم ظهور بؤرة توتر جديدة في الشرق الأوسط، من أجل مساعدة اللبنانيين على انتخاب رئيس للجمهورية، لإعادة التوازن إلى مؤسساتنا الدستورية، وحماية نموذج العيش المشترك اللبناني، الذي هو أبرز ما تبقى من تجارب التعددية في الشرق.
إن لبنان، الذي توقف عن استقبال نازحين جدد، يطالب الأمم المتحدة بأن تضع تصورا كاملا لإعادة كريمة وآمنة للنازحين السوريين الموجودين على أرضه، إلى مناطق إقامة داخل سوريا، وأن تتولى العمل مع الأطراف المعنيين على تحويلها الى خطة قابلة للتنفيذ في أسرع الآجال. وفي انتظار بلورة هذه الخطة، نشدد مرة أخرى على الطابع الموقت للوجود السوري في لبنان، ونعلن أن بلدنا ليس بلد لجوء دائم، وأنه وطن نهائي للبنانيين وحدهم.
إننا نعلن، التزامنا مكافحة هذه الآفة بمختلف وجوهها ومظاهرها، ونشدد على أهمية التعاون الاقليمي والدولي في التصدي لها.
إننا نعتبر أن انغلاق المجتمعات على نفسها، والانكفاء وراء جدران عازلة، وتعزيز الخوف المرضي من الإسلام، الذي يرفع الارهابيون رايته زورا، ليست الدواء الناجع لمكافحة الارهاب، بل هي وصفة لظهور نزعات عنيفة ومتطرفة وعنصرية، كانت الديموقراطيات المتقدمة قد نبذتها منذ زمن.
إن مواجهة الارهاب مسار طويل، يتطلب جهودا كبيرة متعددة المستويات. إن المدخل إلى ضرب هذه الظاهرة، يكمن في السعي لمعالجة جذورها، وإزالة المناخات التي تساهم في تأجيجها، عبر رفع الحرمان والظلم اللذين يشكلان بيئة حاضنة للتطرف، وتلبية المطالب المحقة للشعوب في الحرية والكرامة والمساواة، ورفض كل اشكال العنف والإقصاء.
إن لبنان يتمسك بحقه الكامل في مياهه وثروته الطبيعية من نفط وغاز في منطقته الاقتصادية الخالصة.
لقد طلب لبنان من الأمين العام للامم المتحدة خلال زيارته بيروت في آذار الماضي، بذل المساعي الحميدة في قضية ترسيم الحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية الخالصة بينه وبين اسرائيل، وهو يتطلع إلى تفعيل دوره في هذا المجال.
إننا نحمل اسرائيل مسؤولية إفشال جهود التسوية السلمية، ونؤكد على ضرورة قيام حل عادل وشامل ودائم للصراع على اساس قراري مجلس الأمن 242 و338، ومرجعيات مدريد للسلام ومبادرة السلام العربية. كما نشدد على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة الى ديارهم، وفق القرارات الدولية.
إننا نجدد الدعوة الى كل القوى المؤثرة، للخروج من حالة الترقب والتردد، وإلى تحمل مسؤولياتها والعمل الجاد على وقف نزيف الدم، وإعادة الأمن والإستقرار إلى منطقتنا.
إننا نناشد الجميع بذل جهود صادقة وفعلية في محاربة الإرهاب الظلامي، ونحذر من مخاطر العبث بالخرائط وتهديم الكيانات القائمة، وتغيير الطبيعة الديموغرافية للمجتمعات، وتهديد التماسك الاجتماعي، والتنوع الديني فيها.
إننا نعتبر أن الشرط الأول لتثبيت الاستقرار وإزالة بؤر التطرف في الشرق الاوسط، هو تلبية المطالب المحقة للشعوب في العيش باستقلال وكرامة وحرية، وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.
إننا نشدد على أهمية إقامة علاقات سلمية بين دول المنطقة، تقوم على قاعدة حسن الجوار، واحترام سيادة البلدان الاخرى وعدم التدخل في شؤونها، ونطالب بتعزيز ثقافة السلام والحوار لحماية واحات التنوع في الشرق.
لبنان هو فكرة عالية عن تصالح الانتماءات... والنقيض الصارخ للدولة العنصرية ذات اللون الواحد النابذ لكل الأطياف... هو مختبر للشراكة، في زمن تتحارب فيه المذاهب والقوميات والإتنيات، وتضيق الأوطان بناسها.
هذا النموذج يعاني من وهن سياسي... ويحتاج من العالم يدا ممدودة. وإلى ذلك الحين، سيبقى اللبنانيون - في قلب الشرق المقهور- ثابتين على عهد العيش الواحد في وطن موحد".