محمد صلاح
الحياة
حسناً فعل دعاة الثورة الجديدة في مصر، بإعلانهم مبكراً موعد ثورتهم حتى يتسنى للمصريين أن يجهزوا أنفسهم، ويرتبوا أحوالهم للاحتفال باليوم، والاحتفاء بالثورة، والاستفادة من الهدوء الذي اعتادوه مع كل دعوة إلى ثورة منذ بدء "الإخوان" و "الثورجية" وناشطي مواقع التواصل الاجتماعي إطلاق الثورات المزعومة، منذ أطاح الشعب حكم الجماعة.
بعد موجة من التسخين واللعب على أوتار الأزمة الاقتصادية، والعزف على مقطوعة "تيران وصنافير"، والغناء على الناس بالفقر الذي ضرب البلاد التي كانت ثرية، بالتوازي بالطبع مع حملات نشر الإحباط التي تتولاها اللجان الإلكترونية "الإخوانية" بالتنسيق مع فضائيات الجماعة، جرى تحديد يوم 11 تشرين الثاني المقبل موعداً للثورة الموعودة.
ولأن الكلام عن الحريات وحقوق الإنسان والقمع والاختفاء القسري لم يعد ينطلي على الناس الذين يتأثرون بحوادث الإرهاب في دولة مازالت تدفع ثمن مرور الربيع العربي عليها وجُرحت بشظاياه، ولأن حكاية الشرعية والرئيس المدني المنتخب محمد مرسي لم تعد تجدي مع شعب عانى الفساد و "الأخونة" والفشل في عهد الجماعة، ولأن الناس سئمت التظاهر اللاإرادي والاعتصام عديم الجدوى والانفلات والارتباك ووقف الحال، فإن مطلقي الثورة الجديدة اختاروا قضية أكثر جاذبية للناس وركزوا على مسألة الغلاء وارتفاع الأسعار، وشكلوا حركة جديدة أطلقوا عليها "حركة غلابة" أطلقت الدعوة إلى الثورة للتنديد بغلاء الأسعار.
"حركة الغلابة" ليست الأولى التي يسعى "الإخوان" من خلالها إلى استغلال الظرف الاقتصادي الذي تمر به مصر للتحريض على الحكم وتأليب الناس عليه، ففي العام 2014، وبعد أقل من ثلاثة شهور من وصول السيسي إلى سدة الحكم، ظهرت حركة تسمى "ضنك" للمتاجرة بالصعوبات التي يعانيها المصريون وبينها الانقطاع المتكرر للكهرباء في حينه، وتقليص الدعم على المحروقات، وتزامن ذلك مع دعوات "التحالف الوطني لدعم الشرعية" الذي يضم "الإخوان" وجماعات أصولية متطرفة أخرى، إلى تنظيم تظاهرات ضخمة تحت شعار "ثورة الغلابة" احتجاجاً على "تردي الأوضاع المعيشية"، لكن "الغلابة" لم يثوروا والثورة لم تقم!
اللافت أن "الإخوان" كانوا حددوا مواعيد أخرى لثورات تركزت غالبيتها في أوقات لها علاقة بالأحكام التي صدرت في حق مرشد الجماعة أو مرسي نفسه، أو باقي زعماء الجماعة وقادتها، وعلى رغم الدعم السياسي والزخم الذي تتولاه قنوات "الإخوان" الفضائية التي تُبث من دول تدعم الجماعة، إلا أن أحداً لم يخرج إلا لمطاردة "الإخوان" ووقف أفعالهم العدوانية في الشوارع.
ويبدو قاموس "الإخوان" وحلفائهم من "الثورجية" ونخبة الفضائيات في حاجة إلى تصحيح لتعود مفرداته إلى أوضاعها الطبيعية لدى باقي البشر، فالدولة المصرية تترسخ ولا تترنح، ومرسي لن يعود إلى الحكم لا الأحد المقبل ولا أي يوم آخر، ولن تقوم ثورة في مصر، بل إن المشكلة التي قد يواجهها السيسي إذا ما ترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة أنه لن يجد مرشحاً آخر ينافسه بعدما تجاوز المرشح السابق حمدين صباحي عدد مرات الرسوب.