على يسار رئيس المحكمة العسكريّة العميد الرّكن الطيّار خليل إبراهيم، جلس ضابطٌ جديد ذو سيفان ونجمة أيضاً. رجلٌ خمسيني غزا الشيب شعره. يتأمّل كلّ تفصيل حوله، ويستمع بتأنٍ إلى الأسئلة التي يسألها إبراهيم للمدّعى عليهم الماثلين أمامه. يحاول أن يتعرّف إلى وجوه المحامين، وتفاصيل قاعة المحاكمة، قبل أن يهمس بأذنه أحد الضبّاط بجملة صغيرة. ينتهي الحوار، ويكمل الضابط الجديد مشاهداته.
يبتسم الضابط بخجلٍ ويسترق النّظر إلى أسماء المدّعى عليهم التي يقرأها إبراهيم، محاولاً أن يبدي في إطلالته الأولى جديّة تترك أثرها في القاعة.
صحيح انّها المرّة الأولى التي تطأ قدماه هذه القاعة ـ أقلّه علناً ـ إلّا أنّ الجميع هنا يعرفونه.. إنّه الرئيس الجديد لـ«العسكريّة» العميد حسين عبدالله.
كان من المنتظر أن يتعرّف الرئيس الجديد على أبرز المتهمين بالإرهاب والذين شاركوا في التفجير الأخير الذي استهدف برج البراجنة ـ عين السكّة (تشرين الثاني 2015)، غير أنّه لم يتمّ سوق «الرؤوس الكبيرة» كابراهيم الجمل وبلال البقار.
تنفّس إبراهيم الصعداء حينما عرف أنّ إرجاء الجلسة الذي كان سيأتي بطلب منه حتّى يتمكّن من ترك عبدالله يبدأ بنفسه بجلسات الاستجواب، ليعلّق ضاحكاً: «الحمدالله انّه لن يُسجّل على المحكمة أنّها أرجأت الجلسة».
ومع ذلك، أكمل إبراهيم تعداد الموقوفين، ليرفع عدد من الموقوفين الذين بقوا داخل القفص أيديهم للإبلاغ عن حضورهم، وهم من الذين ذاع صيتهم إثر عمليّات التوقيف التي حصلت في أعقاب التّفجير. بينهم حوالي 9 مدّعى عليهم من المخلى سبيلهم أمثال العريف في قوى الأمن الدّاخلي ش. س. الذي حضر ببدلته العسكريّة ومختار إحدى القرى المتّهم بأنّه كان يبيع المجموعة مواد أوليّة لتصنيع المتفجّرات.
أمّا المرّة الأولى التي سُمع فيها صوت رئيس «العسكريّة» الجديد، ولو همساً، كان حينما ترك له إبراهيم الخيار بتعيين موعد للجلسة المقبلة. سريعاً، حاول إبراهيم أن يشرح له برنامج «العسكريّة»، ليقول له إنّ البرنامج ممتلئ أيضاً، فيما يوم الخميس هو اليوم الوحيد الذي لا يعيّن خلاله الجلسات، ثمّ يضيف ضاحكاً: «الأمر لك، إذا ما كنت حابب تتنفّس الخميس»!
وبالفعل، أكمل عبدالله بالبرنامج المتّبع ليعيّن جلسة لبدء الاستجواب في هذا الملفّ في 6 كانون الأوّل المقبل.
وعلى مرأى ومسمع «العميد الجديد»، أنهى إبراهيم قضيّة الإشكال الذي وقع بين دورية تابعة لفرع «المعلومات» وعناصر من «سرايا المقاومة»، في منطقة تعمير عين الحلوة بتاريخ 11 كانون الأوّل 2015، فاستجوب حوالي 10 من المدّعى عليهم الذين حضروا الجلسة. غالبية هؤلاء نفضوا أيديهم من الانتماء إلى «السرايا» أو وجودهم في التّعمير عند وقوع الإشكال، ليتلطّى عدد منهم بأنّهم كانوا يشربون البيرة عندما حصل الإشكال للتأكيد على عدم انتمائهم لـ «السرايا»!
اثنان منهم أكدا الأمر. الأول هو (خالد ع.) الذي كان أوّل الحاضرين في هذا الإشكال، وعدّد أسماء الأشخاص الذين أطلقوا النّار على الدّوريّة وكيف تمّت تخبئة بندقيّة أحد عناصر «المعلومات» في مكتبٍ تابع لـ «السرايا» في «التعمير».
أمّا (علي ج.) ففجّر في إفادته «قنبلة» كادت تتحوّل شهادة في إحدى جلسات قضيّة عبرا، حينما قال الشاب إنّه لم يتلقّ تعميماً من «السرايا» للمشاركة في هذا الإشكال، «ولكننا نتلقّى تعميمات حينما يكون هناك إشكالات ضدّ الجيش، وهذا ما حصل في معركة عبرا حينما نزلنا وقاتلنا إلى جانب الجيش اللبنانيّ!».
ووسط جو من الاستغراب في القاعة، عقّب العميد إبراهيم قائلاً: «وهل يسمح لكم الجيش بالمشاركة في القتال إلى جانبه؟»، ليجيب المدّعى عليه بأنّه لم يعرف توضيح الفكرة، «فأنا قصدت أنّنا نقف إلى جانب الجيش من دون أن يسمح لنا بالقتال».
وعندما استوضحه إبراهيم بشأن مشاركته في معارك عبرا، أكّد «انّنا نزلنا إلى التعمير كأولاد منطقة حينما صار التهديد على الجيش»، ليوضح إبراهيم أنّ هذا الأمر حصل في 18 حزيران وليس في 23 حزيران، أي حينما وقعت المعارك.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك