جورج حايك
الجمهورية
لا يختلف اثنان على انّ رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون هو مرشّح قوي لرئاسة الجمهورية، إنطلاقاً من حجم تمثيله الشعبي والسياسي وعلاقاته التحالفيّة الواسعة وارتباطاته على المستويين المحلي والإقليمي، لكنّ السؤال الذي بدأ يطرحه كثيرون: كيف سيحكم "الجنرال"؟ وهل سيكون فعلاً رئيساً قوياً؟لا شكّ أنه بعد عامين ونصف من الشغور الرئاسي، ستشكّل عملية انتخاب الرئيس صدمة إيجابية للبنان، مهما كان اسم هذا الرئيس، وإذا صدقت النيّات وتمّ انتخاب عون ستعود الحياة تلقائياً إلى المؤسسات الدستورية من خلال تشكيل حكومة تتبعها انتخابات نيابية تُفرز مجلساً نيابياً جديداً، ما سيوفّر الاستقرار للبنان في ظل الحريق الذي يلتهم المحيط الإقليمي.
لن يكون صعباً على عون اجتياز امتحان خطاب القسم لكنّ التحدي الكبير سيبدأ في تنفيذ هذا الخطاب والمعوقات الطبيعيّة وغير الطبيعيّة التي ستنشأ على طريق بناء الدولة القوية التي يطمح إليها عون وجميع اللبنانيين.
أمّا المعوقات غير الطبيعيّة فتتعلق بإشكاليتين رئيسيتين قد يشلّان مسيرة عون في السعي إلى الجمهورية القوية هما السلاح غير الشرعي من جهة
والفساد المستشري نتيجة المحاصصة بين الأفرقاء السياسيين من جهة أخرى.
من الواضح أنّ عون المرشّح القويّ "زَنّر" نفسه بتفاهمات مع المكوّنات السياسيّة الأساسيّة مثل "حزب الله" و"القوات اللبنانية"، ويبدو انّ تفاهماً مع تيار "المستقبل" يكاد ينشأ قريباً، إضافة إلى ما يُحكى عن تفاهم آخر قد يولد مع الرئيس نبيه بري.
الأولى، تتحدث عن استحالة أن يصل عون إلى رئاسة الجمهورية من دون مفهوم تدوير الزوايا، وهو بات يُدرك انه لا يمكن أن يكون مرشحاً جدياً إذا بقي في موقع الخصومة أو رأس الحربة، وبالتالي عليه أن يطرح نفسه كرئيس توافقي لا رئيس معركة. من هنا كانت حاجة عون إلى بناء تفاهمات مع الأفرقاء الأساسيين وإرساء شبكة من العلاقات تحمي العهد وتحمي الطريقة التي سيحكم بها البلد.
أمّا النظرية الثانية فتبدو معاكسة للأولى تماماً ويتحدث أصحابها عن فشل قد يتخبّط به عون في حال وصل إلى الرئاسة بعدما كبّل نفسه بتفاهمات مليئة بالشروط والقيود ستجعله أسير اللعبة السياسية والتوازنات وربما أسير "حزب الله" بالدرجة الأولى.
هذا ما سيجعل عون مرشحاً توافقياً لا يتميّز عن أي مرشح توافقي آخر، لا لون له ولا طعم ولا رائحة، نظراً إلى مراعاة جميع الأطراف، والحصول على موافقتها قبل أيّ خطوة، وبهذا المعنى فهو لن يجرؤ على اتخاذ أيّ قرار.
ويذهب أصحاب هذه النظرية أبعد من ذلك عندما يتحدثون عن عون "الرئيس" الذي لن يقدّم في وضع البلد إنما سيؤخّره، أو في أفضل الأحوال تصبح المراوحة السلبيّة هي عنوان السنوات الست. سيكون رئيساً توافقياً يشبه الفراغ، ولَو بشكل رئيس. ولأنه ربط نفسه بتفاهمات من هنا وهناك، سيأتي ضعيفاً، سيحكم ضعيفاً، وسيُدار من "حزب الله" الأقوى على الساحة اللبنانية، وسيشكّل امتداداً للإدارة الإيرانيّة للبلد.
من البديهي انّ هناك حاجة لأيّ مرشح لرئاسة الجمهورية كي يبني تفاهمات مع الآخرين لأنّ لبنان لا يُحكم إلّا بالتوازن والتوافق ما سيؤدي إلى استقرار في الحياة السياسية، لكن ثمة فارقاً كبيراً بين تفاهمات تحت سقف الدستور واجتهادات شفهيّة تعكّر نصّ الدستور. والرهان يبقى على قدرة عون أن يعزل نفسه عن هذه الإجتهادات الشفهيّة إذا تمكّن من الوصول إلى رئاسة الجمهورية.