عندما يطرق الحنين أبواب الماضي، نادرا ما يعثر على أغنيات مضى أكثر من نصف قرن عليها، وما زالت حاضرة في الوجدان العربي للموسيقى. لكن لهذا الحنين عنوانا يعثر فيه دائما على مبتغاه... فريد الأطرش.
من السويداء في جبل الدروز، خرج فريد الأطرش من عائلة مرموقة إلى عالم تحت الاستعمار فيه الكثير من الصعوبات، فاضطر للانتقال مع عائلته إلى مصر، هربا من الظروف آنذاك.
في بداياته عمل فريد الأطرش في كازينو بديعة مصابني ووصلته الفرصة للغناء منفردا عن طريق الصدفة عندما اضطر للحلول محل ابراهيم حمودة الذي مرض قبل عرضه. فلاقى فريد الأطرش استحسان الجمهور حينها.
يحسب لفريد الأطرش الذي عانى الكثير من أجل إثبات نفسه، أنه أدخل أنماطا غربية إلى الموسيقى العربية مع الحفاظ على التقنيات الشرقية المعروفة، وعلى الأحاسيس التي توجته أميرا للغناء العربي الحزين.
أثرت وفاة شقيقته أسمهان على فريد الأطرش فزادت حزنه شجنا وموسيقاه حزنا... كما فرضت عليه أن يكون في أعماله السينمائية عاشقا سيئ الحظ وتعيس المصير.
وفي الحياة، تجربة عاشق مع سامية جمال لم تكلل بالنجاح، وأخرى مع شادية، لم تكتب لفريد الأطرش، فكان في الحياة كما في الأغنية رمزا للحزن في الحب.
عندما نذكر أهم إنتاجات السينما المصرية، تتبادر أفلام فريد الأطرش أولا مثل نغم في حياتي، وزمان يا حب، وحبيب العمر... بطل على الشاشة الكبيرة وفي حياة كثيرين، وقد ساهم في نجومية كثيرين، منهم صباح، التي لحّن رغم شجنه أكثر ألحانها فرحا.
ولم يبخل فريد الأطرش بألحانه على أهم فناني العالم العربي، وصولا إلى داليدا التي غنت له في تجربتها بالعربية.
رغم أنه ابتعد عن آلام القلب في الحب، وسخذر معظم وقته للعطاء الفني، أرغم المرض فريد الأطرش على الرضوخ فتوفي الخمسيني عام 1974 بعد تحذيرات متكررة من أطبائه بعدم إجهاد نفسه والتعرض للتعب.
لكن كان أمام فريد الأطرش خياران: إما الانصياع لأحكام الطبيعة والاعتناء بصحته، وإما الاستمرار في العطاء الفني والتخلي عن العمر المديد، فاختار ثالث الخيارات وهو صنع ذكرى تستمر أكثر من أوراق رزنامة بشرية عادية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك