إيران ليست حالة استثنائية، ذلك أن تحركا جذريا بدأ هو الآخر فيها، واليوم الخميس تسجل حركة «الموجة الخضراء» المعارضة التي أسسها رجل الأعمال الإيراني أمير جاهنشاهي ضربة مهمة في قلب نظام محمود احمدي نجاد مع إعلان أحد كبار جنرالات الحرس الثوري محمد رضا مادهي انضمامه وشبكته الواسعة إلى الحركة المعارضة بهدف قلب النظام. أهمية الجنرال مادهي انه يأتي من أعلى المناصب في الدولة، إن كان من الحرس الثوري أو الجيش أو رجال الدين أو وزارة الاستخبارات.
بصفته الممثل الشخصي للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، ترأس «اللجنة 111 من الدستور» (لجنة التحقيق)، وكان المستشار الخاص لخامنئي في الشؤون السياسية والأمنية.
ينبثق عن «اللجنة 111» لجنتان. الأولى: لجنة تقوية النظام ومنع إضعافه وتهتم بالإشراف ومتابعة كل نشاطات المنظمات التابعة لخامنئي وكل وزارات الدولة وتنسق عمل الأجهزة الأمنية. ومن العام 1996 وحتى 2008 كان الجنرال مادهي على رأسها. الثانية: لجنة تحقيق الأهداف قصيرة وطويلة الأجل للنظام وتضم 14 آية الله وخبيرين كان أحدهما الجنرال مادهي الذي لم يكن فقط على اتصال يومي بخامنئي بل أيضا بكبار شخصيات النظام وعلى الأخص كبار رجال الحرس الثوري.
غادر إيران عام 2008 بملء إرادته وظل على اتصال بخامنئي وابنه مجتبى إلى أن وقع انقلاب أحمدي نجاد (2009)، عندها انشق مادهي عن النظام وبدأ يفكر مع شبكته الداخلية الواسعة والمتشعبة بتغيير النظام بعدما وصلوا إلى قناعة بأن إصلاح النظام لن يحصل.
قرروا عدم الاعتماد على قوة خارجية، وعرفوا أن التغيير لن يكون سهلا بل بالقوة، في تلك الأثناء جاء إعلان جاهنشاهي بأنه يريد تغيير النظام بمساعدة إيرانيين من الداخل، وأنه لن يتوقف عند ماضيهم إذا أرادوا مساعدة الشعب على استرداد حريته.
بعد ستة أشهر من المفاوضات اتفق الطرفان ووافق مادهي على ان يضع شبكة علاقاته واتصالاته إلى جانب جاهنشاهي والعمل معا للإطاحة بالنظام من دون خطر الفراغ في السلطة.
لدى جاهنشاهي قناعة بأن قيادة المعارضة الإيرانية تكون من الخارج، لكن لا يمكن تغيير النظام من دون مساعدة أناس من داخل النظام وبالذات من دون دعم الحرس الثوري ومن دون حيادية رجال الدين، لأن 70 % من الشعب الإيراني متدينون وسيصغون في «اليوم المحدد» لتوجيهات مراجعهم الدينية.
مع انضمام الكثير من شخصيات النظام الحالي إلى حركته، يتابع جاهنشاهي التحركات في تونس ومصر، يرى أن الجيش أسقط الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وأن المشكلة هناك أن المعارضة لم تكن مهيأة للتغيير «وهذا عكس ما أعمل عليه. منذ آذار (مارس) الماضي قلت إنه يجب على الشعب الإيراني عدم النزول إلى الشارع، لأن علينا أولا إضعاف النظام وعندما يصبح كل شيء جاهزا، نقوم بالثورة. ويضيف: الثورة في إيران ستكون مختلفة عما يحدث في مصر».
نتوقف في الحديث عند محمد البرادعي، العارفون بخلفياته يقولون إنه مقرب من النظام الإيراني ومن الرئيس أحمدي نجاد. (وهنا يكمن خطره). وكان لوحظ كيف حيا رئيس البرلمان الإيراني محمد جواد لاريجاني «الثورة» في مصر وتونس، وخرجت مظاهرات في طهران عندما ظهر البرادعي مع المتظاهرين في القاهرة.
يؤكد جاهنشاهي نجاح حركته في التسلل إلى إدارات الدولة، بعدما نجحت في استقطاب العديد من أفراد السلك الدبلوماسي في الخارج، وقد طلبت الحركة من كثيرين البقاء بمناصبهم لتزويدها بما يجري في الداخل. صارت الآن موجودة في الجيش والحرس الثوري والهيئات الدينية والتلفزيون، يقول: «عندما ننهي هذه المهمة سنوجه حركتنا صوب النظام، وعندما نتأكد من زعزعته من الداخل، نطلب من الناس النزول إلى الشارع، فالثورة في إيران لن تكون صدفة لأن النظام الإيراني قمعي ومستفرس، نهيئ كل خطوة لما بعد الثورة».
هناك اعتقاد لدى المعارضة الإيرانية بأنه ما لم تحدث ثورة جذرية في إيران وتتم الإطاحة بالنظام، فإن الخطر الذي يهدد كل الدول العربية هو أن بديل الأنظمة الحالية سيكون أنظمة إسلامية. «بعد تغيير النظام في إيران، اذا ما وقعت تغييرات في العالم العربي ستكون كلها ديمقراطية. لكن إذا حدث التغيير الآن فإن الإسلاميين جاهزون للانقضاض». يضيف: «على المدى القصير لا يوجد خطر في مصر فالأمل أن يسيطر الجيش، لكن بعد سنة أو أكثر، اذا ظل النظام الإيراني قائما فإن الخطر سيزحف على العالم العربي».
لكن كيف ستخضعون النظام؟ يشرح جاهنشاهي: «أحمدي نجاد وناسه فاسدون، يستعملون قطاع الطاقة في إيران وأموال الشعب لمصالحهم الخاصة ولعائلاتهم ولتصدير الثورة بتمويل الحركات الإرهابية في العالم العربي. في الأشهر الإثني عشرة المقبلة، فإن المقاومة الوطنية الإيرانية العاملة داخل إيران ضمن شبكتنا ستهز استقرار النظام في قطاع النفط بكل الوسائل، لن أعطي تفاصيل عما سنفعله، لكن أستطيع أن أؤكد رسميا أنه في الأشهر الإثني عشرة المقبلة سيرى العالم كيف أننا سنعقّد حياة النظام لمنعه من سرقة أموال الشعب التي مصدرها النفط».
وأسأله: «هل ستنسفون آبار النفط الإيرانية؟» يجيب: لن نقوم بأي عمل ضد مصالح الأمة الإيرانية لكننا سنحرر الشعب الإيراني، ويضيف: «أنا والناس الذين يعملون معي من داخل النظام نعتقد بأن الطريقة الأفضل لإضعاف النظام ومن ثم إسقاطه تكون بإنهاك مصادر تمويله أي الطاقة».
في كل أحاديثه يركز جاهنشاهي على دعم الحرس الثوري ودعم وحيادية المؤسسة الدينية. والخطة انه عندما يتحرك الناس يقوم الحرس بانقلابه ضد النظام ويساهم بنقل إدارات الدولة لمصلحة المعارضة تتحمل الحكومة الانتقالية تسيير شؤون الدولة «وسنكون السلطة الوحيدة المسؤولة، كل ذلك حتى لا يحدث فراغ في السلطة.. الضمانة؟ الشعب الإيراني لن يقبل أن يقدم الحرس الثوري على انقلاب ويسيطر على السلطة».
كل الاتصالات والمعلومات التي تصله من داخل إيران وبالذات من الحرس الثوري تؤكد له أن لأحمدي نجاد مشروع حرب في المنطقة، فهو يريد، اذا لم يوقفه احد، إنشاء «الإمبراطورية الإسلامية» تحت سيطرته، وإقامة دول تابعة له في كل المنطقة تلتزم بتوجيهات الدولة الكبرى (إيران). كل أناس النظام صاروا يعرفون أن النظام الحالي - آجلا أو عاجلا - ذاهب إلى الحرب، وسيجر أميركا والغرب، فإذا دخلت هذه الدول فهذا يعني سقوط النظام. لهذا السبب، فإن كثيرين داخل النظام وبالذات داخل الحرس الثوري وصلوا إلى قناعة بأنه إذا لم يتم تغيير النظام والإطاحة بأحمدي نجاد، فإنهم - آجلا او عاجلا - سيخسرون كل شيء.
لكن ماذا عن رجال الدين؟ منذ اشهر بدأت المفاوضات بينه وبين أعلى المراجع الدينية داخل إيران. كلهم يعتقدون بأن احمدي نجاد يشكل خطرا على نهجهم الديني، وباتوا يدركون وعلى أصعدة مختلفة، أن فصل الدين عن الدولة هو الطريقة الوحيدة لحماية الدين، يقول جاهنشاهي: «بعدما أعلنت عن تحركي في آذار (مارس) الماضي، اتصل بن عدد من رجال الدين. وما أحاول عمله الآن أن نضع على الطاولة كل عناصر الخلاف ونحولها إلى قوة موحدة لقلب نظام الحكم، كي نصل إلى «اليوم المحدد» ويكون فيه أعلى المراجع الدينية في إيران ملتزمين بفتح الطريق للشعب الإيراني لتغيير النظام. اليوم أستطيع أن أؤكد أن لدينا دعم جزء كبير من الحرس الثوري ومن رجال الدين». لا يرغب جاهنشاهي بأي مساعدة من الغرب وبالذات من أميركا». بعد 600 مليار دولار في العراق وصل رئيس وزراء (نوري المالكي) قررته إيران. أميركا لا تفهم المنطقة وشعوبها، لا تفهم مخارفنا أو آمالنا. سنغير النظام في إيران ومستعدون لدفع الثمن».
لديه قناعة بأن مفتاح السلام والحرب، ومفتاح الديمقراطية والديكتاتورية في المنطقة بين يدي إيران. يرى أن الدول العربية تعرف مثله أن أحمدي نجاد خطر على كل المنطقة. أيضا لا يريد مساعدة أو دعما أو مالا، ويؤكد أن تغيير النظام في إيران لن يكون خطرا على جيراننا، يضيف: «كان انهيار جدار برلين نهاية الشيوعية في العالم. هكذا فإن انهيار نظام الجمهورية الإسلامية في إيران سيكون نهاية خطر الأصوليين في العالم، سيقول الشعب الإيراني للدول العربية، كنا هناك ونعرف أن النظام الإسلامي ليس الحل».
إن انضمام الجنرال محمد رضا مادهي هو غيض من فيض مقبل ومدروس، وفي هذه الحالة قد تكون الثورة الإيرانية المقبلة استثناء!
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك