أياً تكن ردود الفعل والانعكاسات التي ستتركها "القمة السنية" التي انعقدت امس في دار الفتوى ومضاعفاتها على مسار تأليف الحكومة الجديدة وما بعده في مرحلة "الحكم الآحادي" المحتمل، فهي في بعدها الأخطر دلالة صعود نحو أزمة حكم لا بل ربما أزمة ميثاقية بلبوس شديد التعقيد.
واذا كان بديهياً ان تستعيد هذه القمة، بطابعها المذهبي الخالص، ايحاءات "قمة عرمون" الشهيرة في السبعينات من القرن الماضي عشية انفجار الحرب في لبنان، فلعل الاستعارة الأصح والأقرب الى التفاعلات التي ادت الى انعقاد قمة دار الفتوى تستحضر قمة مارونية لا تقل شهرة عن قمة عرمون، تلك التي انعقدت في بكركي في اليوم ما قبل الاخير من عهد الرئيس امين الجميل عام 1988 واسقطت بالفيتو الماروني آنذاك الترشيح السوري – الاميركي لمخايل ضاهر لرئاسة الجمهورية.
في المقلب السني هذه المرة لم تنعقد قمة الطائفة لنزع الشرعية او المشروعية عن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، غير انها أبرزت المنحى المعاكس لتبدل احوال الطائفة. في تلك القمة في السبعينات كانت الطائفة السنية تتقدم عنوان أزمة الحكم الداخلية في مسألة المشاركة في الحكم في مواجهة ما سمي "المارونية السياسية" وكانت في موقع هجومي. أمس بدت قمة دار الفتوى في موقع دفاعي عن مكتسبات الطائف في مواجهة ما تراءى لها من اختلال خطير وتغيير لقواعد اللعبة وقوانينها مع تكريس واقع قسري ضاغط بات معه "حزب الله" سيد تحريك هذه اللعبة مع داعميه الاقليميين من دون منازع.
وبصرف النظر عما تثيره هذه القمة من حسابات معقدة للمواقع والاحجام داخل الطائفة ورموزها وقواها، والتي تجد نفسها امام خلط اوراق لم تعرفه منذ التسعينات مع بداية صعود الرئيس رفيق الحريري، فان مجرد انعقادها شكلا كقمة مذهبية موصوفة الى ما اطلقته من مواقف و"ثوابت" يرميان كرة نارية ملتهبة في مرمى تجد سائر الطوائف نفسها معنية بها لكونها تؤشر الى أزمة حكم حتمية. وما من ازمة حكم اندلعت في لبنان الا واستحضرت معها أزمة ميثاقية اكبر.
في ذلك يغدو رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلف نجيب ميقاتي امام استحقاق ثقيل مختلف في المرحلة المهرولة بسرعة لبت الولادة الحكومية. سيتعين على رئيس الجمهورية تحمل عبء اكبر واخطر في التصديق على حكومة اللون الواحد وهي التي ترتب عليه أصلاً تحمل عبء امر واقع ينحرف بعهده وشخصه عن مسار "التوافقية" ولو وجد من يبرر له اضطراره او قبوله ضمناً بالتسليم بالظروف القسرية التي ادت الى هذا الواقع. كما سيتعين على الرئيس المكلف ان يتبصّر اكثر فأكثر في عواقب الانجرار مع النزعات الراديكالية لبعض داعميه والبحث عما يمكن ان يخرج تركيبته العتيدة من دون ان تكون مشوبة بعاهة فاقعة، هي تكريس التهميش لغالبية طائفته التي تقف في مواجهته.
ولعل المفارقة ان الرئيس سليمان يجد نفسه ولو بدرجة أخف التهاباً في موقع محرج مماثل للرئيس ميقاتي. من خلال نزعة الى تحجيم حضور تمثيله في الحكومة مما يقلص دوره اكثر فأكثر لمصلحة المسيحيين الأقوياء لدى 8 آذار. اما الرئيس ميقاتي فيبدو في تمهله تارة، ورفع وتيرة حركته طوراً، مدركاً تماماً للثمن المكلف الذي يرتبه عليه اخراج الحكومة الى النور يستحيل ان "ترضي الجميع" ما دامت نتيجة ظروف نقلت لبنان من عصر التوافق الهش الى عصر اللون الواحد، مع كل التغيير الهائل الحاصل في قوانين اللعبة وقواعدها المتوازنة.
واذا كان من خلاصة أخيرة تضاف الى مجمل هذه التعقيدات، فهي قد تبرز سريعاً في صعود الخط المتشدد لدى الاكثرية الجديدة كرد فعل على القمة السنية، مما يجعل الرئيسان سليمان وميقاتي سواء بسواء في موقع لا يحسدان عليه بين مطرقة اللون الواحد وسندان اللون الخصم.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك