ذكرت صحيفة "الجمهورية": حسم رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان قراره بالمشاركة في القمة العربية التي ستعقد في بغداد متجاهلاً العوامل والظروف التي تحول دون هذه المشاركة معتبراً أنّ عليه كرئيس للبنان تحديداً أن يوجّه رسالة الى العالم العربي وشعوبه الثائرة من على منبرها. ماذا سيقول؟
إنها القمة الحادية عشرة في مسلسل القمم العربية الدورية السنوية التي انعقدت أولاها في بيروت العام 2001، والقمة السابعة والثلاثين منذ قيام الجامعة العربية والتي لم يغب لبنان عن واحدة منها الى اليوم مهما كانت الظروف التي رافقتها. ورغم التمايز الذي تتسم به هذه القمة دونها من القمم العربية السابقة لألف سبب وسبب امني وسياسي ودبلوماسي، فقد تجاوز رئيس الجمهورية سلسلة التحذيرات والنصائح التي وجّهت إليه من أصحاب النوايا الطيبة أو تلك التي تضمر غير ما تقول به، لعدم المشاركة في هذه القمة التي أقصي الرئيس السوري للمرة الأولى عن المشاركة فيها، والتي يغيب عنها أكثر من نصف الرؤساء والملوك والأمراء العرب طوعاً على خلفيات عدّة. ومنها أنّ الرئيس اللبناني يعتبر أنّ أمامه فرصة مهمة ليقول من على هذا المنبر كلاماً مختلفاً ومتميّزاً عن نظرائه العرب القدامى والجدد في آن.
فالرئيس سليمان هو رئيس الدولة المسيحي الوحيد في العالم العربي، رئيس الدولة التي تمايزت بالتنوّع الطائفي والمذهبي الى اقصى الحدود، وهو رئيس دولة لها نظامها البرلماني الديمقراطي خلافاً لباقي الأنظمة العربية. ورئيس الدولة التي كرّس فيها الدستور هذا التنوّع ومبادئ انتقال وتداول السلطة الذي تجاوز الأبعاد الطائفية والمذهبية إلى الأبعاد الثقافية والحضارية. ولذلك كلّه لا بدّ له من أن يستغلّ هذا المنبر العربي ليوجّه رسالة من لبنان الى العالم العربي وشعوبه الثائرة يلفتهم فيها الى أهمية هذا التنوّع في عالمنا العربي وليقول لهم إنّ هذا النموذج اللبناني الذي يكرّس هذا التنوّع قائم في معظم هذه الدول ولا بد من حمايته والسعي الى توفير الظروف للانتقال به من لبنان الى كافة الأقطار العربية ولتكون الأنظمة الجديدة فيها ضامنة لكل أشكال الحوار بين الحضارات والأديان والثقافات، ليكون العالم العربي شاهداً على رفض المخططات والشهادات التي تدعو الى الصراع بين هذه الثقافات والحضارات والأديان ولتشكل إدانة الى الداعين الى استحالة هذا الحوار والتفاهم في ما بينها.
ويضيف هؤلاء المقرّبون أنّ الرئيس سليمان ذاهب الى بغداد ليقول لمن سيحضر من نظرائه العرب ولشعوبهم أنه ليس صحيحاً أنّ العروبة تعني الإسلام والمسلمين، فالمسيحيّون كانوا في هذه المنطقة من قبل وهم من بناة وواضعي أسس النهضة العربية الثقافية والإجتماعية والفكرية. وانه ليس صحيحا ان الإرهاب الذي يشكو منه العالم الغربي هو صفة ملازمة للإسلام. وليؤكد للعالم العربي أنّ التنوّع في المجتمع اللبناني له ما يشبهه في مختلف المجتمعات العربية وأقطارها وإن لم يكن من سكانها فمن المقيمين على أراضيها والعاملين من اجل قوتها ومنعتها السياسية والإقتصادية وغيرهما من مقوّمات قيام المجتمعات الحضارية التي تتوق اليها هذه الشعوب. ويضيف المقرّبون من رئيس الجمهورية انه لا بد من دعوة الشعوب العربية الى العمل من أجل تظهير الصورة الحضارية التي تتوق اليها الشعوب الثائرة فلا تستبدل أنظمة شمولية بأخرى من مثيلاتها ولا تعمل لقيام كيانات طائفية تتسلّح بالعدد لتطغى على أبناء شعوبها من الذين هم اقل عددا فعندها ستتبخر كل الوعود التي قطعتها هذه الثورات عند توقها الى الحرية والعدالة والإنصاف واحترام الإنسان وكامل حقوقه في القول والتعبير والمعتقد والسلوك الاجتماعي.
وبناء على ما تقدّم، سيوجّه الرئيس سليمان رسالة واضحة الى العالم العربي وخصوصاً الى قادة ودعاة الحراك الشعبي من شباب العرب ان امامهم مهمة الانتقال من حال الغليان الذي تعيشه الساحات والعواصم العربية الى مرحلة الانتظام في إطار السعي الى الدول التي تقوم على منطق الاعتراف بالآخر وتكريس التنوّع الإتني والحضاري والديني والثقافي العربي في اطار المؤسسات الدستورية التي تسمح بأن يتنسم هذا العالم العربي الديمقراطية الصحيحة التي تكفل تنظيم القدرات العربية وتسخيرها في سبيل قوة دولها ومنعتها والحفاظ على ثقافتها وحضارتها لتكون المعيار الحقيقي الى مدى استحقاقها لكل هذه القيم والتي من اجلها أريقت الدماء فلا تذهب هدرا لنعود الى عالم مضى.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك