عقدت القيادة القطرية لحزب البعث العربي الإشتراكي في لبنان، إجتماعها الدوري برئاسة الأمين القطري النائب عاصم قانصوه في مقرّها الموقّت في الرملة البيضاء، وأصدرت البيان الآتي:
"تؤكد القيادة القطرية مركزية القضية الفلسطينية للأمة العربية، وترى في خطوة رأس الإدارة الأميركية فيما يتعلق بالقدس، دليلا قاطعا، لجميع المراهنين، على سقوط وبؤس نهج المفاوضات الإستسلامية والحلول المفروضة لإنهاء للقضية الفلسطينية، وبرهانا ثابتا على فشل المراهنة المتدرجة لإنهاء هذه القضية وتحويلها إلى مسألة خلاف فلسطيني صهيوني على تقسيم الاراضي المحتلة، وإن ما أقدم عليه أحمق أميركا ليس بجديد، فهو تنفيذ مبرمج لثوابت السياسة الأميركية في دعم المشروع الصهيوني على مر العهود الأميركية المتتابعة، وسيسقط هذا المشروع بكل تأكيد، في زمن عهد التميمي ورفاقها من أطفال فلسطين، بشائر النصر الآتي، إذ غدتصفعة طفلة فلسطينية لجندي صهيوني مدجج بأسلحة القتل والإرهاب،سببا لاهتزاز الكيان كله، ونموذجا للإنكسار المعنوي الذي يعاني من هذا الكيان.
وتؤكد القيادة أن نهج المقاومة هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، كل فلسطين، وعاصمتها القدس الشريف، وأن الصراع العربي الصهيوني هو صراع وجود لا صراع حدود، وأن خيار المقاومة هو خيار مقدس وملزم، وبالتالي فإن أي خروج على هذا الخيار يمثل تواطؤ وتآمرا على القضية المركزية.
لقد سطرنا في تاريخنا أكبر عجائب الوجود، فجعلنا فلسطين وقضيتها، القضية المركزية للأمة العربية، واستطعنا ابقاءها شعلة النضال الوطني والقومي،فاستمرت منهلا للحياة في زمن الموت، مستحيلة على الشطب أو الإلغاء، وشمخت باعتزاز أبطالها، كبيرة لا تقزم على مقاسات سلطة أو شتات أو أشخاص مهما علا شأنهم.
لقد أثبتت التجربة أننا في محور المقاومة والممانعة لدينا من الإمكانيات ما لم يكن موجود سابقا، وحتى عندما كانت قوى العدوان أقوى منابكثير وكنا لا نمتلك كقوى ثورية الحد الأدنى من الإمكانيات المطلوبة للمواجهة، صمدنا ومنعنا "المشروع الغربي" من سحق القضية المركزية، فكيف الحال وقد اشتد ساعد المقاومة والممانعة؟ فأميركا وأدواتها لا تحسب حسابا إلا لمن يمتلك الكرامة والإرادة: إرادة القوة، وإرادة التحدي، وإرادة المواجهة، ويعمل على توفير وتطوير كافة العوامل والعناصر المكونة لهذه الإرادة.
إن انظمة الاستسلام والخنوع والرجعية العربية هي شريكة الإمبريالية الغربية والأميركية والصهيونية العالمية في "المشروع الغربي" الذي أنشأ هذا الكيان الغاصب على أرض فلسطين ودعم وجوده، وكأداة طيعة لهذا المشروع، فقد عملت هذه الأنظمة على القيام بالدور المطلوب منها لا سيما لجهة الإستفراد بأقطار المواجهة التي كانت تشكل جبهة الصمود والتصدي لمواجهة اتفاق كامب دايفيد وتبعاته.
فكان عدوان 1978 على لبنان وإنشاء دويلة العمالة في الشريط الحدودي المحتل، وانطلقت المقاومة الوطنية كرد فعل طبيعي على الإحتلال وأدواته، بدعم مطلق من سورية الأسد، وواجهت عدوانه المتجدد عام 1982، لتصفية المقاومة الوطنية والقضية الفلسطينية، فاشتد ساعدها صمودا ومواجهة لاعتداءاته المتكررة، وكانت قوافل الشهداء صانعة للنصر في العام 2000، حيث مرغ أنف العدو الصهيوني بالوحل وأجبر على الإنسحاب مهزوما مدحورا.
وفي العامين 2006 و2008، في لبنان وغزة، وبدعم من قوى البغي العالمية وسكوت قوى أخرى، استخدم العدو همجية لم يشهد لها التاريخ مثيلا من قبل، فانتصر محور المقاومة والممانعة، وقويت شوكة الإنتفاضات المتتالية في فلسطين، فتعرض الكيان الصهيوني لصدمة وجودية قاسية طالت جبهته الداخلية وهددت ديمومته، وأعادته بالشبه والمعاناة إلى عوارض الصدمة التي خلفتها حرب تشرين التحريرية في العام 1973، فأدخل مرحلة العناية الفائقة، وما زال يعاني من ترددات هذه الصدمات، المتمثلة بقلقه الدائم سواء عبر طلعاته الجوية اليومية فوق لبنان وبناء الجدران العازلة على الحدود، أو استمرار القمع في فلسطين والجولان، أو الإعتداءات الكيدية على سورية. ولن تنفع معهمحاولات الدعم بجرعات إنعاش متكررة،كخرافة ترامب وهوسه أو تعديل الحدود اللبنانية الفلسطينية وتثبيت هامش الخط الأزرق،وحتى صمت الأمم المتحدة عن استمرار احتلاله لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
وكانت الحرب على الثورة الإسلامية في إيران التي أعلنت، وهي في مهد انتصارها عام 1979، وقوفها وتأييدها وشراكتها في دعم القضية المركزية للأمة العربية والمقاومة في لبنان، فاستنزفت هذه الحرب قدرات العراق وإيران وأوقعت القيادة العراقية في شر أعمالها بحيث ارتهنت للمشروع الغربي بمغرياته الرجعية، والذي سرعان ما انقض على القطر العراقي حصارا وحربا أدت لانهيار هذا الضلع المتين من معادلة الصمود والمواجهة، وحول هذا القطر، بعد سرقة ثرواته واستنزاف موارده البشرية والإقتصادية والنفطية، لقمة سائغة لعصابات الإرهاب والتكفير، فكان الرد بالمقاومة المنتصرة، ليندحر المحتل وتسقط أدواته التكفيرية والإرهابية.
وعبر حلقات مسلسل الربيع الصهيوني، حيث شاركت فيه العديد من القوى التي انكشف زيف ادعائها بالتدين والوطنية والقومية بعدما سقطت في فخ الملطفات الرجعية والأميركية، لجأ المشروع الغربي إلى إشعال الأقطار العربية بحروب طوع لها أدواته التكفيرية والإرهابية، فأسقطت تونس ودمرت ليبيا وهددت الجزائر ووصل الحريق إلى اليمن الذي ما إن نجح بجهود الخلص من أبنائه في التصدي لهذا المشروع، حتى كانت حرب الإبادة التي شنتها ضده مملكة الإجرام بالإنابة عن الكيان الصهيوني، وبعد ألف يوم من الصمود والمواجهة، يفرض الشعب اليمني البطل معادلة العواصم، التي تعيد إلى أذهاننا تفاهم نيسان، الذي لجم العدو الصهيوني وشكل بداية اندحاره المخزي عن لبنان.
وتبقى سوريا الأسد التي أذهلت العالم بصمودها الأسطوري وإرادتها الصلبة في المواجهة والتحدي قيادة وجيشا وشعبا، فألحقت أكبر هزيمة بالمشروع الغربي في حربه الكونية التي فرضت عليها، وكانت الملهم والموجه لكافة القوى الثورية في وطننا العربي لإسقاط أعاصير "الربيع الصهيوني" السياسية والعسكرية والفكرية،وسجلت بكل عنفوان وشموخ حرصها الثابت على القضية المركزية ودفاعها المطلق عن فلسطين وتمسكها بالحقوق العربية ودعمها لقوى المقاومة حتى في أشد مراحل المعاناة والنزف.
إن المطلوب اليوم إسقاط نهج الإستعجال وحرق المراحل والهرولة خلف التسويات، لأن الكينونة الفلسطينية الكاملة لا تحتمل التأويل أو الحلول الوسط، بل تقتضي إسقاط اتفاقيات الذل وتبعاتها، من كامب دايفيد إلى وادي عربة مرورا بأوسلو، ونبذ كل إفرازات هذه الإتفاقيات من مرجعيات، زمنية كانت أم روحية، تتبنى الخطاب الصهيوني بطريقة أو بأخرى، وامتلاك عناصر القوة وتمتين عرى التحالفات مع الشعوب الصديقة والمناهضة لقوى الإستعمار في العالم.
إن المحاولات الخبيثة لتضليل الرأي العام العربي واقناعه بنزاهة حكام أنظمة الإستسلام والخنوع والرجعية العربية باتت مكشوفة، فهم لا يملكون من أمرهم شيئا وإنما مسلطون على شعوبهم من قبل أسيادهم، حتى إذا انتهت أدوارهم، خلعوا بمنتهى الإحتقار، واستبدلوا بأشباههم من أنصاف البشر، ولن تفيد فلسطين وشعبها الصابر المظاهرات أو التجمعات التي تطلق برضى الحاكم وإذنه، لذلك فإن الواجب التاريخي على شعبنا العربي يستدعي حتمية الإنتفاض على هؤلاء الحكام وإطلاق ثورات شعبية تسقط عروش المتواطئين والخونة.
إن المطلوب اليوم هو توحيد البندقية المقاومة تنظيم عملها من خلال غرفة عمليات مركزية، تضم كل القوى الوطنية والقومية والصديقة الصادقة والمخلصة لفلسطين، دون القوى المرتبطة بأنظمة العار، التي ارتضت حرف البندقية عن أهدافها وأغرقتها في وحول المصالح الخاصة وخدمة الأهداف الصهيونية".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك