لن يعود الرئيس سعد الحريري في المدى المنظور خوفاً من الاغتيال. أنصارُه والحلفاء في 14 آذار يتفهّمون الموقف. ولكن كيف السبيل إلى إنقاذ الحريريّة من مخاطر الاغتيال؟
لم يكن صعباً، وفي معزل عن الحادث الطارئ الذي تعرّض له الحريري في فرنسا، إدراك أنّه لن يعود إلى لبنان قبل التبدّل الكامل للظروف التي دعته إلى الإقامة الطوعيّة في الخارج. فالسيناريو الذي مرّ به الرئيس رفيق الحريري يستعيد نفسه: حملةُ تخوين، إخراجٌ من الحكم... ثمّ اغتيال. وهذا السيناريو اجتاز سعد الحريري منه محطّتين... وخرج قبل أن يتعرّض لخطر الثالثة!
وهكذا يصبح مؤكّداً أنّ الحريري الذي لم يَعُد، حتى لإحياء مناسبات سياسية ودينية واجتماعية، محدّدة في الزمان والمكان، لن يعود إلّا إذا تغيّرت تماماً المعادلة التي دفعته إلى الخروج... مهما تكاثرت التوقّعات والشائعات. وهذا يعني عمليّاً: لا عودة قبل سقوط الرئيس بشّار الأسد في سوريا وتَراجُعِ دور حلفائه اللبنانيّين، ولا سيّما الأمني. وتحت هذا السقف، تبقى ظروف الخوف قائمة. ولا فارق من الناحية الأمنية بين عودة الحريري اليوم أو بعد حين، إذا لم تتبدّل هذه الظروف.
"الزغردات" عبر "تويتر"، خلال الفترة الأخيرة، نجحت في تذكير الذين يريدون تغييب الحريري بأنّه في خير، وبأنّ تغييب الموقف تحت وطأة التهويل لن ينفع هؤلاء. ومن خلال "تويتر" والإطلالات الإعلامية من أماكن "آمنة"، بدا الحريري قادراً على رفع السقف السياسيّ إلى حدود لم يكن يبلغها لو كان موجوداً في لبنان. فالعيش على أرض الواقع يستدعي المراعاة وتدوير الزوايا أحياناً.
"مستقبل" الحريرية
لذلك، فالحريري في خير، وموقفه السياسي في أعلى سقف له. لكنّ ما يجري لـ"الحريرية"، وإطارها التنظيمي أي تيار "المستقبل"، ينذر بعواقب. وهذه العواقب تصبح وخيمة إذا ما طال الانتظار لسقوط الرئيس الأسد و"إستيعاب" حلفائه في لبنان.
الخطّة التي يعتمدها خصوم الحريري هدفُها، على المستوى السنّي، ضربُ الحريرية. فهي الحالة السنّية اللبنانية الأولى العابرة للمناطق في لبنان. وكانت الناصرية سبقتها في خمسينيات القرن الفائت، لكنّها لم تكن لبنانيّة المنشأ. والغالب، قبل ظاهرة الرئيس رفيق الحريري، أن يكون زعماء السنّة هم وجهاء العائلات في المدن الكبرى (آل الصلح في بيروت وصيدا، آل كرامي في طرابلس)، لكنّ أحداً منهم لم يستطع أن يتحوّل زعيماً سنّياً قادراً على اجتياح الحالات المحلّية، كما فَعَل رفيق الحريري.
هذه الظاهرة هي التي يُراد استهدافُها اليوم. فدمشق ساهمت، خلال وصايتها على لبنان، في صيانة القوانين الانتخابية التي تسهّل للحريري الأب اكتساح الساحة السنّية، بناء على ما شكّله مِن تقاطُعٍ بين السعودية وسوريا والغرب. وجاء اعتماده نهج الاعتدال والانفتاح المرغوب به وطنيّاً، ليتيح له الفوز بهذا الموقع. واليوم يحاول النظام في سوريا تنفيذ خطّة معاكسة، تقوم على الآتي:
1 - ضرب الصورة الاعتدالية والانفتاحية للحريريّة، وهي الصورة التقليدية للطائفة السنّية في لبنان، من خلال استفزاز هذه الطائفة ودفعها إلى تظهير قوى سلفيّة أو متطرّفة. وهذه القوى، التي قد يكون النظام السوري داعماً لبعضها من حيث تدري أو لا تدري، من شأن حركتها إضعاف تيّار "المستقبل" وإضفاء صورة متطرّفة على السنّة في لبنان. وهناك قوى حليفة لسوريا تعمل مباشرة وفي شكلٍ حثيث على ذلك.
2 - بعد إخراج الحريري من السراي، رَغِبَ خصومه في "تعقيم" المؤسّسات من أنصاره. وثمّة دوافع سياسية وراء قيام الرئيس نجيب ميقاتي بالدفاع عن مواقع حريريّة رفيعة في الأمن والقضاء. لكنّ هؤلاء الخصوم ينتظرون اللحظة التي تسمح لهم باستكمال "التعقيم"، من خلال التعيينات، إذا سمح وضع النظام السوري بذلك.
3 - ثمّة محاولات لرسم قانون انتخاب يستهدف إضعاف "المستقبل"، عبر "خلق" أوزان سنّية جديدة في دوائر بيروت وطرابلس وعكّار وصيدا والبقاع الغربي، بعضها مُستعاد من أرشيف المرحلة السابقة. وفي هذا المجال، تتحدّث معلومات عن اتّصالات تجري برموز سنّية من تلك المرحلة لتحضيرهم وتوزيعهم على الدوائر الانتخابية، وإقرار قانون للانتخابات يلائم فوزهم بالانتخابات على حساب "المستقبل". لكنّ المضيّ بهذه الخطة يستلزم أن يكون النظام السوريّ متفرّغاً لملفّه اللبناني.
ويستفيد خصوم الحريري من تخويفه. فغياب التواصل الشخصيّ المباشر بينه وبين القواعد الشعبية يتسبّب في ثغرةٍ خطرة، ستؤذي "المستقبل" وتهدّد مستقبله! وهذا ما يراهن عليه الخصوم، خصوصاً إذا طال انتظار سقوط النظام... فما الذي يجب أن يفعله الحريري؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك