المركزية
صحيح ان "المصلحة الانتخابية" تحتلّ الموقعَ الاول في حسابات الاحزاب والشخصيات السياسية التي تنكب حاليا على إعداد العدة لاستحقاق 6 أيار، وصحيح أن كثيرا من التحالفات حتى بين "الاصدقاء" لن يبصر النور بفعل مقتضيات القانون الانتخابي الجديد الذي يفرض على كلّ طرف، تفكيرا "أنانيا" ودقيقا في آن، لضمان فوز مرشّحيه هو وإلا استفاد زملاؤه في اللائحة على حسابه، وخسر هو. وصحيح ايضا ان بعض الاطراف المتباعدين سياسيا، سيركبون القطار الانتخابي نفسه في عدد من المناطق، لتعزيز فرص وصولهم آمنين الى ساحة النجمة.. غير ان الواقع المعقّد الذي أفرزه "صليبا" "الحاصل الانتخابي" و"الصوت التفضيلي"، لم يحل دون بقاء القضايا الاستراتيجية والاولويات السياسية، حاضرة "في مكان ما" في المعارك الانتخابية، ولو بنسب أقلّ من السنوات الماضية (2005 و2009 تحديدا). فبرامج الاحزاب التي كشف النقاب عنها حتى الساعة، وتحديدا برامج تيار المستقبل والقوات اللبنانية والكتائب اللبنانية، دلّت بحسب مصادر سياسية مراقبة، الى ان هذه القوى لا تزال تجتمع عند الرؤية السياسية "السيادية" نفسها للبنان، ولو أنّها لن تلتقي بل ستتنافس انتخابيا (إذ أفيد اليوم ان المشاورات بين معراب وبيت الوسط بلغت حائطا مسدودا ويرجّح الا يكونا معا في أي من الدوائر الانتخابية).
فمشروع التيار الأزرق حمل تشديدا على التمسك باتفاق الطائف، وعلى العبور الى الدولة المدنية الحديثة، دولة القانون". وتوقف ايضا عند" الشرعية اللبنانية التي هي الضامن لوحدة الشعب والدولة والمؤسسات. لها القرار وبيدها السلطة في كل شأن سيادي". واعتبر البرنامج ايضا ان "الحوار هو السبيل الوحيد لمقاربة الخلافات السياسية" فيما "الاستقواء بالفوضى والسلاح والاصطفاف الطائفي لبت الخلافات عنوان لفشل الدولة". الى ذلك، تمسّك بـ"حماية لبنان من ارتدادات الحروب والصراعات الأهلية في المنطقة، ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية والتأكيد على حصرية السلاح بيد الدولة ومؤسساتها الشرعية، وتفعيل قدرات الجيش والقوى الأمنية"، وبـ"التزام القرارات الدولية الخاصة بلبنان، لاسيما القرار 1701"...
هذه المبادئ نفسها، حضرت في احتفال اطلاق مرشحي القوات اللبنانية للانتخابات أمس في مجمع "بلاتيا". فكلمات هؤلاء التقت كلّها عند ضروة بناء الدولة القوية التي يسودها القانون وحده، وعند ضرورة ضبط السلاح في يد القوى الشرعية وحدها. فيما قال رئيس الحزب سمير جعجع الموقف بوضوح أكبر، وسمّى الاسماء بأسمائها. فانتفض على الدولة "المزرعة"، وحمل ايضا على "الدويلة"، معلنا "هناك مفهوم واضح للدولة تأتي في طليعته ضرورة وجود القرار الإستراتيجيّ، العسكري والأمني أي كل القرار داخل الدولة كما احتكار استعمال القوّة بمؤسسات الدولة الرسميّة الشرعيّة". وسأل "كيف تريدون أن يصدق العالم بأسره أننا دولة في حين أنه وبالرغم من كل الشعر والنثر والأدبيات التي نردّدها كل يوم، هناك فريق في لبنان شعاره الدويلة هي التي تحمي الدولة؟ ماذا يمكن أن يبقى من الدولة في هذه الحال".
وفيما حضرت هذه المطالب ايضا في صلب برنامج الكتائب الانتخابي، بدا لافتا امس، بحسب المصادر، أن رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل هاجم من وصفها بـ"الميليشيات المدنية التي نعمل اليوم على تحرير الدولة منها"، مشيرا الى ان بعد 16 شهراً من انتخاب الرئيس العماد ميشال عون "لا نزال وحدنا ونحن من جديد في مواجهة المافيا"، وان حكومة العهد الاولى ستقوم بعد الاستحقاق النيابي، ما يدل الى منحى جديد قد يسلكه التيار بعد الانتخابات، أكثر تشددا تجاه قيام الدولة.