بدا المشهد الداخلي في لبنان غداة محاولة اغتيال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في معراب مقبلاً على أجواء شديدة الغموض والارتباك نظراً الى التبدل الجذري في الاولويات السائدة في البلاد وصعود هذا التطور الامني الى واجهة الاحداث.
ورغم اقتصار ردود الفعل حتى البارحة على قوى «14 آذار» والنائب وليد جنبلاط وبعض رموز الدولة، وضع وزير الداخلية مروان شربل حداً حاسماً للغط الذي أثاره الحادث بتأكيده امس، ان جعجع «نجا بأعجوبة من محاولة اغتيال»، الامر الذي ينتظر ان يترك تفاعلات اوسع حول هذه المحاولة في الساعات والايام القليلة المقبلة.
وقالت اوساط مواكبة لهذا التطور الخطير لصحيفة "الراي" الكويتية ان الاجهزة الامنية المعنية استجمعت ادلة كافية تثبت ان جعجع تعرض لمحاولة اغتيال مباشرة وان اطلاق الرصاص من رشاشين ثقيلين من مسافة تفوق الـ 1500 متر حصل بقصد قتله في لحظة كان يتنزه فيها مع بعض مرافقيه خارج مقره. وعاينت هذه الاجهزة مكان اصابة الرصاصتين جداراً كان مكان وقوف جعجع قربه لا يتجاوز العشرة سنتيمترات، ولم ينج من الاصابة الا باعجوبة وبالصدفة لدى انحنائه لقطف زهرة. ووفّرت شظايا الرصاصات التي ابرزها جعجع علناً في مؤتمره الصحافي اول من امس، ادلة مهمة للتحقيق للبحث عن جهات محتملة تملك هذا السلاح، مع صعوبة حصر جهات كهذه نظراً الى واقع لبنان الذي يمكن ان تتعدد فيه الجهات الداخلية والخارجية التي تحوز اسلحة مشابهة.
في اي حال، تقول اوساط سياسية بارزة في قوى «14 آذار» لـ «الراي» انها تأمل هذه المرة في ان تُبرز الدولة قدرتها على كشف خيوط محاولة اغتيال جعجع والقيام بكل ما تستطيع لاثبات امكان افشال مخطط عودة الاغتيالات قبل حصول اي تطور آخر يُخشى على نطاق واسع ان يكون قيد التحضير بعد فشل اغتيال جعجع.
وتبدو هذه الاوساط متخوفة فعلا من ان يكون فصل ارهابي جديد بدأ مع محاولة اغتيال جعجع بما يوحي ان لبنان يواجه مرحلة شديدة الخطورة يراد له عبرها ان يدفع ثمن تداعيات الازمة السورية وحرب المحاور الاقليمية والدولية المتفجرة على نارها.
وتقول الاوساط نفسها ان المحاولة تكتسب بُعديْن داخلياً وخارجياً: الاول يتعلق بالحجم الكبير الذي بدأ يكتسبه جعجع وحزبه على الساحة المسيحية واللبنانية بعدما برز كرأس حربة اساسية في دعم قوى «14 آذار» للثورة السورية، والثاني يتعلق باحتدام الصراعات العربية والاقليمية بفعل الازمة السورية وهي صراعات تهدد لبنان بالتمدد اليه وإنهاء فترة السماح التي عاش في ظلها طوال السنة والشهرين من عمر الازمة السورية.
وتضيف هذه الاوساط ان هذا التطور يستلزم قراءة باردة في السياسة والامن وانتظار اكتمال ملامح ردود الفعل الداخلية والخارجية عليه خصوصاً ان المحاولة استهدفت زعيماً له الكثير من التحالفات كما له الكثير من العداوات، وكلاهما على المستوى الداخلي والخارجي يجعلان من الصعوبة بمكان استقراء مضاعفات الحدث بسرعة.
واشارت هذه المصادر الى ان قوى «14 آذار» بدت بعد الحادث في حال استنفار سياسي ويقظة امنية، اذ اعتبرت ان جميع رموزها وشخصياتها عادوا الى مربع الاستهداف المباشر ومحاولات التصفية، ما يعني ان مناخاً سياسياً جديداً ينذر بالتصاعد. ومن غير المستبعد ان تحصل في القريب العاجل خطوات استثنائية واجتماعات كثيفة لاعلان موقف موحد لقيادات هذه القوى بعد ان تُستكمل عمليات التحقيق الجارية في الحادث وتظهر معها خريطة المواقف السياسية ومضاعفاتها داخلياً وخارجياً.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك