أحاط ملف التعيينات الإدارية بحقول من الألغام التحاصصية والمذهبية، لا يجرؤ أحد من المسؤولين على نزعها أوتجاوزها، وصولاً بهذا الملف الذي استوطن على رف الإنتطار إلى بر الأمان، وإتمامه بحيث تعود معه الروح إلى الإدارة التي بلغت ما بلغته من الترهّل، والتي تعاني ما تعاني من الهدر والفساد والتصرفات "الاستزلامية" للعديد من موظفيها وهو ما يؤثّر سلباً على حركة الإنتاج ومواكبة التطوّر.
وإذا كانت الأجواء السياسية قد أوحت في الأسبوع المنصرم بأن هذه التعيينات ستُبصر النور وإن على دفعات بعد تعذّر التوافق على إصدارها في سلّة واحدة، من خلال الكلام الذي قاله رئيس مجلس النواب نبيه بري بأن هذا الملف اقترب من خواتيمه، وأنه من المتوقع أن يُصار إلى إصدار تعيينات أسبوعية يتم التوافق المسبق عليها، غير أن الوقائع ومجريات الاتصالات تخالف توقعات رئيس المجلس، حيث أن العُقد التي كانت تقف حائلاً دون التفاهم على هذا الملف ما تزال على حالها، وإنما في بعض الجوانب يزداد منسوبها خصوصاً في ما يتعلّق بالحصة المسيحية العالقة على حبل الخلافات المستحكمة بين جنرالي بعبدا والرابية والتي أُضيف إليها إستياء بكركي من عدم الأخذ برأيها حول بعض التعيينات وعلى وجه الخصوص تعيين السيدة منى يارد في رئاسة الوزراء، وقد بعث البطريرك بشارة بطرس الراعي الى السراي من يُبلغ الرئيس ميقاتي هذا الاستياء الذي لم يجد رئيس الحكومة بعد المخرج الملائم لمعالجته.
وفي هذا المجال تؤكّد مصادر سياسية لصحيفة "اللواء" أن ملف التعيينات من أصعب الملفات التي تواجه الحكومة وأن دخول البلد في مدار الانتخابات النيابية ربما يأخذ هذا الملف إلى مزيد من التعقيد، خصوصاً وأنه يشكّل مادة دسمة يمكن توظيفها في الحسابات السياسية والشعبوية للانتخابات النيابية المقبلة التي من خلالها يحدد المستقبل السياسي لهذا الزعيم أو ذاك، وأن اللعب بورقة التعيينات تصبح أكثر من ضرورية في معركة حشد الأصوات واتساع رقعة المؤيدين والمناصرين.
ومن هنا فإن المصادر ترى أنه من الممكن إصدار بعض التعيينات التي تبقى دون المستوى الاستراتيجي، والتي ليس لها الفعل الكبير في مسار الإدارة، وأن المراكز الأخرى تبقى خاضعة للبيع والشراء كلٌ وفق مصالحه السياسية والمذهبية والشعبية، وهو ما يؤكد صعوبة إنجاز هذا الملف في الأسابيع أو الأشهر المقبلة خصوصاً وأن التطورات في المنطقة، بالإضافة إلى ما يبرز من ملفات داخلية يشكّلان عاملاً فاعلاً في مسار هذا الملف الذي لن يستطيع الإفلات من قبضة المسؤولين الذين يستخدمونه في معاركهم، ما دام الشعب اللبناني غير آبهٍ بما يجري ويتعامل مع هذا الملف وكأنه غير معني به، مع العلم أن هناك المئات لا بل الآلاف من المعاملات التي يتأخّر البتّ بها، بفعل عدم وجود رأس في معظم الإدارات بشكل يرتدّ سلباً على عمل الناس وحياتهم اليومية.
وتسأل المصادر هل يجوز أن يبقى ما يُقارب نصف المراكز في الإدارة شاغرة من الفئتين الثانية والثالثة معلّقاً إلى حين تسوية الخلاف بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان والعماد ميشال عون حول موقع رئيس مجلس القضاء الأعلى؟ وهل يجوز أن يبقى تطوير الإدارة رهن تمسّك البعض بقاعدة المحاصصة ورفضه الآلية التي أقرّها مجلس الوزراء والتي تقوم على قاعدة الكفاءة والنزاهة ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب؟
لقد آن الأوان لوضع مصلحة البلد فوق أي اعتبار، فالتطورات الجارية في المنطقة هي أشبه بريح صرصرٍ عاتية، تتطلّب من اللبنانيين تحصين ذاتهم وترتيب بيتهم الداخلي، لأن هذه الرياح إن وصلتنا وأبوابنا مشرّعة لها فإنها لن تُبقي ولا تذر وأن الهيكل سيسقط على الجميع ولن يستثني لا 8 ولا 14 آذار فالجميع سيكونوا سواسية تحت الركام.
إنطلاقاً مما تقدّم فإن المصادر ترى أنه يتوجب على القادة السياسيين العودة إلى مبدأ الحوار، ووضع كل الملفات وبحثها على بساط أحمدي، فسياسة المقاطعة هي سياسة فاشلة خصوصاً في لبنان، هذا البلد القائم على الشراكة والتوافق، فهو خاض الحروب الداخلية على مدى عقدين من الزمن تداخلت فيها العوامل الإقليمية والدولية وفي النهاية لم ينتشل اللبنانيين من واقعهم الأليم إلا الجلوس على طاولة الحوار، فلماذا لا تتكرّر هذه المحاولة مجدداً وتُعالج فيها كل الملفات والخلافات، وإبقاء الملفات الملتصقة بحياة اللبنانيين في منأى عن صراعاتهم، لأنه ليس بهذا الفعل يُكافأ هذا الشعب الذي صبر كل هذا الصبر وتحمّل ما تحمّل نتيجة اشتباكاتهم السياسية التي لم تكن لمرة واحدة تصبّ في خانة مصلحة البلد، بقدر ما كانت لمآربهم الشخصية وارتباطاتهم الخارجية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك