داني حداد
قال بسمارك، المستشار الأول للدولة الألمانيّة: "يكثر الكذب عادةً قبل الانتخابات وخلال الحرب وبعد الصيد". تذكّرت مقولة بسمارك مراراً في عطلة نهاية الأسبوع.
للعرب، في هذا الشرق، مقولة شهيرة "يضرب الحبّ شو بذلّ". الانتخابات، في ظلّ القانون الحالي، تذلّ أكثر من الحبّ بكثير. والقانون الحالي، كي لا ننسى، سمّاه البعض "قانون عدوان"، وسمّاه آخرون "من إنجازات العهد القويّ"، فتبيّن أنّه أسوأ قانون انتخاب في تاريخ لبنان، وما تفعله الطبقة السياسيّة بحجّته كشف عورتها، وجعلها تنحدر الى مستوى غير مسبوق من النفاق و"لحس" الأقفية والتحالف مع "الشيطان".
إن دخلت محرّك البحث الشهير "غوغل" يمكنك، بسهولة، العثور على صورٍ لمسؤولين في التيّار الوطني الحر، من بينهم نائب رئيسه ومرشّحه نقولا صحناوي وهو يحمل لافتة تتّهم تيّار المستقبل بأنّه "داعش". صحناوي اليوم متحالف مع "المستقبل". أما زميله "الجبّار" زياد أسود فاختار التحالف مع الجماعة الإسلاميّة. "فليحكم الإخوان" في جزين إذاً!
ليس "التيّار" التي حفلت كلمة رئيسه السبت بالتناقضات وحيداً في التحالفات "العجيبة". الحزب السوري القومي الاجتماعي متحالف مع "الوطني الحر" في المتن، ومع "المردة" ضدّ "التيّار" في دائرة الشمال الثالثة. وعلى اللائحة، معهما، بطرس حرب. تحالف لا يركب على "فايبر أوبتك"، لكنّه بات حقيقة، ومثله تحالف ميشال معوض مع "التيّار". آهٍ أيّتها الانتخابات، كم من الجرائم ترتكب باسمكِ!
أما في مرجعيون، فسمّى "الوطني الحر" مرشّحاً ضدّ النائب أسعد حردان. قال أنطون سعادة يوماً "الحياة وقفة عزّ". سياسيّو اليوم يجثون على أقدامهم توسّلاً لصوتٍ تفضيليّ.
وفي كسروان، اختار فارس سعيد أن يتحالف مع فريد هيكل الخازن. لا يجمع بين الرجلين سوى حرف الفاء في أوّل الإسم. وفي لائحة "القوات"، في الدائرة نفسها، نعمان مراد الذي نام "عونيّاً" مساء الخميس ثمّ استيقظ "قوّاتيّاً" يوم الجمعة، وحجز مقعداً على اللائحة بعد أن اكتشف أنّ الآليّة الانتخابيّة التي اعتمدها التيّار الوطني الحر يمكن بسهولة أن تُبَلّ ويشرب المرشّحون ماءها.
وفي الدائرة نفسها، خلطة غريبة تجمع شامل روكز ونعمة افرام ومنصور البون وزياد بارود وروجيه عازار. الأول حارب الثاني في الانتخابات البلديّة، والثاني اتّهم الثالث بالخيانة والرابع لا يشبه الآخرين والخامس خسر في الآليّة ونجح بصوت جبران باسيل "التفضيلي".
أما في الشوف وعاليه فتحالفٌ بين "المستقبل" و"القوات" يحتاج فعلاً الى "خرزة زرقا"، بينما يتواجه الحزبان في دوائر أخرى، بعد أن غفر التيّار الأزرق لـ "البرتقالي" اتهاماته بالفساد، وقد جُمعت في كتابٍ أكلت عليه المصالح وشربت. يسعى التيّاران للشراكة أو الشركة. حرفٌ بالناقص لا يهمّ.
وفي بيروت الثانية، كما في طرابلس وعكار، خطابٌ لسعد الحريري يهاجم فيه حزب الله الذي يرسل معاون أمينه العام دوريّاً الى بيت الوسط للتنسيق، ويرسل وفيق صفا الى وزارة الداخليّة، حيث يجتمع بصاحب عبارة "الأوباش". لكنّه زمن انتخابات، ولا بأس ببعض التجييش في مقابل تهريج أحد المرشّحين في "بيروت الثانية"، عبر إعلاناتٍ ترويجيّةٍ مهزلة...
وفي زحلة يدعم حزب الله نقولا فتوش. الحزب ضدّ الفساد، وهو يحاربه في أكثر من موقع، ولذلك اختار فتوش مثال النزاهة ورمز البيئة النظيفة.
إن اخترنا المزيد من الأمثلة لوجدنا العشرات بعد. ما من بريءٍ في هذه الانتخابات، ولو بعدد ذنوبٍ مختلف. "القوات" و"الكتائب" كانا منسجمين مع شعاراتهما أكثر من الآخرين، ولكن أساءا أحياناً اختيار المرشّحين. باسيل يريد التغيير، وفي الوقت نفسه يتحالف مع الجميع، فمن سيغيّر إذاً؟
يقول بسمارك "يكثر الكذب قبل الانتخابات...". ما نسمعه ونراه أسوأ من الكذب بكثير. إنّه العهر بعينه، وبعضه يحظى برعايةٍ رسميّة.