أنهت الثورة الفرنسية في العام 1789 مفهوما سياسيا كان يسود العالم، ويرتكز على حق اشخاص او عائلات بتولي السلطة بتكليف الهي، ومن دون اي عناء. وجاء في بيان الثورة - ومن ثم في الدستور الفرنسي: ان الشعب مصدر السلطة. ودرجت منذ ذلك التاريخ مقاربة جديدة تعتمد على حصول الحكام على ثقة الشعب لتولي شؤونه العامة.
وعاد الملك الفرنسي لويس الثامن عشر الى العرش في العام 1814 بأصوات الناخبين الفرنسيين، بعد ان قطع ثوار العام 1879 رأس سلفه لويس السادس عشر.
تاريخ العمل السياسي في لبنان شهد على عصبيات حزبية منذ ايام الامارة ومن ثم المتصرفية التي حكمها الاتراك وقناصل الدول الخمس.
وجاء الانتداب الفرنسي فيما بعد ليكرس دور العائلات السياسي، وسط انقسام حاد فيما بين رموز هذه العائلات التي تتنافس على استقطاب الجمهور، لتكفل المبايعة، وهذه المبايعة وحدها التي تعطي المشروعية للزعامة.
حتى ان السلطات التركية ومن ثم السلطات الفرنسية، كانتا تؤثران على فئات الشعب، لتأييد هذه العائلة او تلك، او صاحب هذه الوجاهة او ذاك، على اعتبار ان من يحصل على تأييد اكبر من الناس، هو المؤهل اكثر من غيره لتولي الحكم. وبطبيعة الحال لم يكن الأمر بالمثالية بالمجردة، ولكنه تقليد ذلك الزمان الغابر. بدأت عملية إجراء الانتخابات في لبنان لتحديد اعضاء مجلس النواب، منذ اعلان اول دستور في العام 1926.
استطاعت الكثير من العائلات السياسية ان تحافظ على وجودها من خلال الحصول على اصوات الناخبين، برغم ان الحق بالترشح على المقاعد النيابية مفتوح امام جميع اللبنانيين.
في مرحلة الانقسام العمودي بين اليمين واليسار، نشأت احزاب عديدة في لبنان تزعم عدد منها - او اسسها زعماء من عائلات سياسية تقليدية.
لكن صناديق الاقتراع لم تكن لمصلحة البعض منهم، فتلاشى نفوذهم الى حد الاندثار، اما البعض الآخر فقد نجح في الاستمرار من خلال الفوز في صناديق الاقتراع. القوانين اللبنانية تعتمد المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات بين اللبنانيين، ولا تعطي اي امتياز لمن يحملون القابا عائلية على الهوية، يعتبرها البعض مصدر استفزاز.
والعمل النيابي والسياسي والحزبي الجدي في لبنان مضن، وهو يتطلب جهدا كبيرا ومتابعة في المجالات التشريعية والمطلبية، وفي مجال خدمة المؤيدين، لأن اغلبية من اللبنانيين يعتقدون انهم يحتاجون لمساندة او تعريف او مساعدة لتدبير شؤونهم الحياتية. علما ان تقلب المراحل والظروف - لاسيما بين العام 1975 و2005، أخلت بقاعدة "لا علاء بدون عناء" لأن قيادات سورية عينت نوابا ووزراء من دون اعتماد القاعدة الطبيعية للترفيع السياسي.
التبسيط السياسي الغالب عند بعض الطامحين في لبنان، يرى احيانا ان عامل التوريث السياسي هو الذي يتحكم باللعبة السياسية، رغم ان هناك عائلات سياسية انقرضت. لكن الغالب عند شرائح واسعة جدا من اللبنانيين، هو منح الثقة لبعض ابناء العائلات السياسية التي تواكب مصالح المواطنين انطلاقا من واجب موروث لا يمكن التفريط به، ولأن هذه الشرائح تعتبر هؤلاء ضمانة موثوقة الجانب، لاسيما بعد ان تعرفوا الى تجربة الذين وصلوا الى مراكز متقدمة في الدولة من غير ابناء العائلات السياسية، حيث وزعوا مناصب وامتيازات عديدة على افراد العائلة والأقرباء. والبعض الآخر منهم تشده صداقاته مع بعض قوى الخارجية الى حد التفريط بمصالح الوطن.
لا يمكن القول بالحرص على الديموقراطية والتشكيك بإرادة الناس وخياراتها في آن واحد، والانتخابات تنافس على البرامج، والتصويت يستند الى الثقة قبل كل شيء. من تورثه اصوات الناس موقع أسلافه، ليس بالضرورة ان يكون محل تهمة. في المقابل، فإن القانون لا يسمح بوراثة الموقع لمن لا يفوز بالانتخابات.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك