وسط انشداد الأنظار الى سورية لمراقبة مدى متانة الهدنة التي بدأ تنفيذها وثباتها، بدا المشهد الداخلي في لبنان عيناً على هذه الهدنة وعيْناً على الاستحقاقات الداخلية المتزاحمة على مستويات سياسية وأمنية وملفات شديدة التعقيد والتشابك.
ومع ان الايام الثلاثة المقبلة هي ايام عطلة لمناسبة عيد الفصح لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الشرقي، فإنها ستشكل فسحة استعداد لمنازلة سياسية يعتقد انها ستكون حامية مع انعقاد جلسة مجلس النواب الثلاثاء المقبل لثلاثة ايام متعاقبة مخصصة للمناقشة العامة للحكومة، وهي الجلسة الاولى من نوعها ابان ولاية حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
وتقول أوساط وزارية لصحيفة "الراي" الكويتية ان مشاورات ستجرى بين ميقاتي الذي عاد من اجازة امضاها في لندن والوزراء للإعداد لمواجهة الردود الوزارية على كلمات النواب في الجلسة وتحضير الملفات اللازمة نظراً الى تحسب الحكومة لهجمات لاذعة من نواب 14 آذار في مختلف القضايا والملفات المطروحة، وإظهار الحد الاعلى الممكن من تماسُك الحكومة في هذا الاستحقاق.
أما أوساط المعارضة، فتؤكد ان كتلها ونوابها اعدوا العدة اللازمة «لتعرية الحكومة» وتحويل جلسة المناقشة العامة محطة اساسية في اطلاق هجوم معارض قد لا يقف عند حدود تفنيد المآخذ والاعتراضات وكشف الفضائح الوزارية بل سيتعدى ذلك الى طرح الثقة بوزير او اثنين على الاقل اولهما وزير الطاقة والمياه جبران باسيل وثانيهما وزير الاتصالات نقولا صحناوي في ملف حجب «داتا» الاتصالات عن الاجهزة الامنية في قضية محاولة اغتيال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع.
وتعتبر الاوساط المواكبة للمناخ الداخلي عشية الجلسة النيابية انه رغم استبعاد اي تطور من شأنه ان يغير الواقع الحكومي في هذه الحقبة على الاقل، فإن الاسبوع المقبل قد يشهد نقلة سياسية ملحوظة تستعيد معها المعارضة الكثير من زمام المبادرة نظرا الى مجموعة عوامل من ابرزها:
اولاً: تفاقم المشكلات المتعلقة بقضايا حياتية وملفات اقتصادية وخدماتية كان آخرها تخطي سعر البنزين عتبة قياسية مع بلوغ سعر صفيحة البنزين 40 ألف ليرة لبنانية (نحو 33 دولاراً اميركياً) من دون اي افق واضح لامكان لجم ارتفاع الاسعار وعجز الحكومة عن وضع حد له. وهذا الملف بعد أزمة الكهرباء يعتمل بقوة وينذر بمضاعفات اجتماعية واقتصادية يصعب على الحكومة مواجهتها.
ثانياً: تصاعد الاحتدام السياسي الناجم عن رفض تسليم «داتا» الاتصالات الكاملة الى قوى الامن الداخلي في ملف محاولة اغتيال جعجع علما ان قوى 14 آذار حذرت من امكان قيامها بتحركات تصعيدية في المدى القريب ما لم يتم تسليم هذه «الداتا» (حركة الاتصالات من دون المضمون). ويبدو واضحا ان هذا الموضوع سيتردد صداه بقوة في جلسة المناقشة العامة ومن شأن الهجمات المعارضة حياله ان تستحضر ملف الاغتيالات والانكشاف الامني ما يذكي الاحتدام والسجالات مع فريق 8 آذار.
ثالثاً: بداية اطلالة المناخ الانتخابي المتصل باستحقاق الانتخابات النيابية بعد سنة والذي يطلق موسم المزايدات السياسية على الغارب في جلسة منقولة عبر الشاشات التلفزيونية. وهو امر سيشكل حافزاً حاداً لفريقيْ الموالاة والمعارضة لرفع سقف المبارزة علماً ان نواب الموالاة والفريق الحكومي سيكونون محرجين بطبيعة الحال لدى حشرهم في زاوية الدفاع عن ملفات وقضايا تمعن في تفاقم الازمات الاجتماعية والاقتصادية والمالية ويزيد من تفاقمها انعدام افق المعالجات في المدى المنظور.
وسط هذه المعطيات تتوقع الاوساط المواكبة ان تشكل هذه النقلة السياسية انذاراً متقدما للحكومة وتحالف الغالبية الذي وجد نفسه عشية استحقاق «ثلاثية البرلمان» امام ملفين جديدين يربكانه الاول على مستوى تماسُكه والثاني على صعيد علاقته مع رئيس الجمهورية. وهذان الملفان هما:
* «انفجار» العلاقة بين رئيس الحكومة وحليفه التقليدي وزير المال محمد الصفدي بعد «هدنة» كانت اعقبت التجاذب الحادّ بينهما على خلفية ملف استئجار البواخر لتوليد الطاقة الكهربائية.
وقد باغت الصفدي رئيس الحكومة بهجوم في مقابلة تلفزيونية عبر برنامج «كلام الناس» من «المؤسسة اللبنانية للارسال» بلغ حد تحديه ان يقيله من الحكومة، مستبعداً في اشارة ذات دلالات ان يترشّح ميقاتي للانتخابات النيابية المقبلة، ومتهماً اياه بأنه «راح يهمس باسمي بأنني أريد تقاضي عمولات في ملف البواخر وان لديه اثباتات على ذلك وهو قال ذلك للجميع بمن فيهم الرئيس نبيه بري ووليد بك جنبلاط. واذ حاولت ألا أكبر الموضوع خرج وزير الاقتصاد نقولا نحاس، وهو يمثل عملياً الرئيس ميقاتي، ليقول أيضاً إن وزير المال ليس حريصاً على المال العام». وأضاف: «عملياً يفترض بعد كلام كهذا فتح تحقيق في مجلس الوزراء ومجلس النواب لنرى لماذا لا يكون وزير المال مؤتمناً على المال العام. هذا كلام لا يقوله ولد حرصاً على سمعة البلد وهذا عيب وأنا أتمنى فتح تحقيق وإذا لم أكن جديراً بالوزارة فليطرح رئيس الحكومة الثقة بي في مجلس الوزراء و«يشيلني».
وفي حين رفضت أوساط ميقاتي الرد على كلام الصفدي، ردّ الوزير نقولا نحَّاس على استبعاد الصفدي أن يترشح رئيس الحكومة للانتخابات النيابية المقبلة، فقال: «أولًا الانتخابات ليست غدا، ثانيا لا أحد يتكلم باسم رئيس الحكومة، وهو وحده قادر أن يأخذ القرار».
* أما الملف الثاني فيتصل بالانفاق الحكومي من خارج الموزانة وسط بروز محاولات ضاغطة على رئيس الجمهورية ميشال سليمان لحمله على إصدار مشروع القانون المتعلق بمبلغ الـ 8900 مليار ليرة (نحو 6 مليارات دولار عائدة الى الانفاق الحكومي الاضافي لحكومة ميقاتي عن العام الماضي) بموجب مرسوم، وسط كلام عن محاولة «التهويل» على سليمان بانه اذا لم يوقّع لن تكون هناك نفقات ولا رواتب الشهر المقبل للوظفين في القطاع العام.
وفي حين ترى قوى 14 آذار ان معاودة تحريك ملف الـ 8900 مليار ليرة هو في اطار عملية «تحايُل» على قاعدة عدم إعداد موازنة واستبدالها بقانون الـ 8900 مليار ثم بناء القاعدة الاثني عشرية على هذا القانون هرباً من المسؤولية من جهة وابتزازاً للمعارضة من خلال «فصل المساريْن» اي عدم تغطية مبلغ الـ 11 مليار دولار التي صرفتها حكومتا الرئيس فؤاد السنيورة (بين 2005 و2008) بنفس الطريقة التي اعتمدتها حكومة ميقاتي، بدا رئيس الجمهورية الذي يتوجّه اليوم الى استراليا في زيارة تستمر اسبوعاً متوجساً من «فخ» يُنصب له لوضعه في مواجهة مع 14 آذار ولا سيما ان مشروع قانون الـ 6 مليارات لم يتوافر له الاكثرية لاقراره في البرلمان وان لجنة المال والموازنة النيابية حددت مخالفات وملاحظات فيه ما يوجب البحث عن صيغة جديدة لمشروع القانون تأخذ بهذه الملاحظات وتزيل المخالفات.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك