ذكرت صحيفة "النهار": الأربعاء 15 كانون الثاني 1992 اغتال مسلحان الكاتب والباحث مصطفى جحا بإطلاق النار عليه في سيارته قرب منزله في السبتية. بعد عشرين عاماً حاول مسلحون اغتيال ولده مصطفى جحا أيضاً، بإطلاق خمس رصاصات عليه في سيارته قرب منزله في الدامور.
تسنى لمصطفى الابن، الذي كان بعمر ثمانية أعوام عندما اغتيل والده، أن يروي كيف كاد أن يُقتل مثله تماماً الحادية عشرة ليل السبت الماضي 14 نيسان الجاري. كان متوجهاً من ناحية صيدا إلى الدامور، وبوصوله إلى مفترق الناعمة قطعت الطريق عليه سيارة "مرسيدس" سوداء وأطلق راكب بجانب السائق خمس رصاصات من مسدس في اتجاهه، فأصابت ثلاث منها زجاج سيارته الأمامي واثنتان غطاء المحرك. هل كان مطلق النار يتقصّد ألا يصيبه؟ مصطفى يؤكد أن الرصاص أخطأه لأنه تابع سيره ولم يتوقف.
الوالد، المسالم الرقيق الذي كان يهدي من يزورهم زنبقاً أبيض، قتلوه برصاصات نهائية. فاستناداً إلى أربعة شهود (أرشيف "النهار") أوصل مصطفى جحا ابنه صباحاً إلى كلية "الشرق الأوسط" وعاد في اتجاه منزله، على الطريق اعترضته سيارة مجهولة الرقم والنوع فيها ثلاثة مسلحين، ترجل منهم اثنان وتقدما نحو سيارته حيث كان وراء المقود وأطلقاً عليه وابلاً من رصاص مسدسين مزودين كاتمين للصوت. عند اندلاع الحرب عام 1975 كان الكاتب المؤيد لحزب "الكتائب"آنذاك هرب من المنظمات الفلسطينية في منطقته صور إلى الدامور أيضاً، ومنها إلى "الشرقية".
في الذكرى العشرين للأب، كانون الثاني الماضي، أعلن مصطفى الابن، المسكون بقضية والده، طبع اثنين من كتبه التي تناهز العشرين: "الخميني يغتال زرادشت" و"رسالتي إلى المسيحيين".
لكن الفعل الأخطر الذي أقدم عليه كان رفع دعوى قضائية أعادت القضية إلى الضوء، قدمها محاميه إيلي محفوض وتضمنت أسماء شخصيات معروفة حرضت على اغتيال الكاتب والباحث لأسباب فكرية. يقول مصطفى الابن إن والده كان على علم بقرار قتل صدر في حقه في لبنان في الثمانينيات، وبتعميم القرار شبه الرسمي على أمكنة تضم تجمعات في المناسبات. رواية حيّة ومخضبة بالدم تذكّر بالرواية المتخيلة "قصة موت معلن" لغبريال غارثيا ماركيز. قصة شاب يعلم جميع أهل قريته بأنه سوف يُقتل. الجميع إلا هو.
يقول مصطفى الابن إن العائلة عرضت كتب والده على مراجع دينية في لبنان والخارج وكلها أجمعت على أنه لم يكن ثمة موجب للقتل.
لكن مصطفى جحا الأب، ابن بلدة الجبّين في قضاء صور والذي لقيت عائلته عناء لدفنه فيها، كان شبه مطمئن إلى أن القرار بقتله لن ينفذ لمجرد أنه يقيم في "الشرقية" بتعابير تلك الأيام. ستسقط "الشرقية" لاحقاً والتعابير، وسيكون من أوائل الذين دفعوا الثمن، هو وبطرس خوند وعدد من المسؤولين في "القوات اللبنانية" قضوا اغتيالاً بعيد الحرب. وسيتعجب رئيس "القوات" سمير جعجع كما يتعجب هذه الأيام لـ"مقتل كاتب من دون أن يحرك أحد ساكناً"، سائلاً تلك الأيام عن "الشروط التي حددتها الحكومة لسلاح المقاومة في الجنوب" و"هل يمكن أن تمر المقاومة غداً عبر الضاحية الجنوبية وبيروت وكسروان وزحلة وطرابلس مثلاً؟".
يروي مصطفى جحا الابن أنه تلقى قبل شهرين تحذيراً من شخصية حزبية معروفة فحواه أن كل ما يفعل يخضع للمراقبة. وقبل شهرين من التحذير كان بيان تلقته الصحف أعلن ولادة "حركة السيادة اللبنانية" وهو منسقها العام، وفي بيانها التأسيسي "لبنان وطن حر سيد مستقل، نهائي لجميع أبنائه، واحد وموحد"، إلى دعوة لقيام دولة لبنانية مدنية غير طائفية، والتصدي لصراع الطوائف، واحترام الحريات.
استنكر محاولة اغتيال الناشط مصطفى جحا حزب "القوات اللبنانية"، مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية "سكايز"، وجمعية "إعلاميون ضد العنف" و"التيار الشيعي الحر"، ونقابة مخرجي الصحافة ومصممي الغرافيك"، ودعت جميعاً السلطات إلى كشف الفاعلين وسوقهم إلى العدالة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك