ذكرت صحيفة الجمهورية": بدأ يتضح من أزمة نضوب الاموال المخصصة للقروض عبر المؤسسة العامة للإسكان، وجود أخطاء في السياسة التي أراد مصرف لبنان تطبيقها لدعم هذا القطاع الاقتصادي الاجتماعي. وبسبب عدم وجود الضوابط، ذهب القسم الاكبر من الاموال الى جيوب الاثرياء بدلا من ان يخصّص لدعم محدودي الدخل من أجل تملّك منزل.
استنفدت جميع المصارف التجارية احتياطها الالزامي لدى مصرف لبنان، والذي تقوم بموجبه بمنح قروض بفائدة مدعومة، بناء على تعميم أصدره مصرف لبنان في حزيران من العام 2009 يحرّر بموجبه 90 في المئة من الاحتياطي الالزامي بالليرة اللبنانية، بغية افادة المواطنين والمصارف في آن واحد، من خلال اعادة تدوير هذه الاموال. ومن ضمن هذه الاموال المحرّرة، تستطيع المصارف ان تسلف 80 في المئة من احتياطها عبر المؤسسة العامة للاسكان، كما تستطيع ان تقدم تسليفات سكنية مباشرة لغاية 60 في المئة من احتياطها الالزامي.
وعلى نقيض مؤسسة الاسكان التي تضع سقفا لقيمة القرض الواحد، لم يحدّد مصرف لبنان حينها ضوابط لعمليات الاقراض المباشرة، سوى ان تكون مرتبطة بالقطاع العقاري او بمشاريع صديقة للبيئة وان تمنح لشراء مقرّ الاقامة الرئيسي (primary residence). وعلى رغم ان الهدف من خطوته كان مساعدة أصحاب الدخل المتوسط والمنخفض على اقتناء منزل، لم يُلزم مصرف لبنان المصارف التجارية بسقف إقراض معيّن او يحدد شريحة معيّنة للمستفيدين من تلك القروض المباشرة المدعومة. فما كان من المصارف الا ان سعت وراء مصالحها بطبيعة الحال، وراحت تمنح قروضا بمبالغ وصلت الى اكثر من 8 ملايين دولار للقرض الواحد، لاقتناء منزل فخم او لمشاريع ذات طابع عقاري بفائدة مدعومة بلغت حوالي 4 في المئة.
هذا السلوك أفقد مبادرة مصرف لبنان هدفها الاجتماعي بمساعدة المواطنين غير الميسورين، واستفاد بالتالي اصحاب رؤوس الاموال من تلك الفوائد المدعومة لتطوير مشاريعهم بفائدة اقل من فائدة السوق.
في المقابل، استفادت المصارف ايضا من عائدات الفوائد على القروض الكبيرة التي منحتها، ولكن هذه العملية أدّت الى نضوب احتياطي المصارف الالزامي لدى مصرف لبنان، وتعطّلت عملية الاقراض بالليرة اللبنانية عبر الفوائد المدعومة، لدى كافة المصارف اللبنانية، بعدما وصلت المصارف الى سقف الـ90 في المئة من الاحتياطي الذي حرّره مصرف لبنان.
ووفقا لاوساط مصرفية، يعود السبب الرئيسي لشحّ هذا الاحتياطي الالزامي الى عدم تحديد ضوابط للاقراض بالدرجة الاولى، وعدم وضع سقف للقرض الواحد. واوضحت انه فيما لم يمض وقت طويل على بدء المصارف باقراض احتياطها الالزامي، لم توازي تسديدات المقترضين بعد، حجم الاحتياطي الذي تم تشغيله في الاساس.
واكدت ان عملية الاقراض عبر الفوائد المدعومة ليست متوقفة كليا، بل باتت "قصّة حظ" وتستغرق وقتا طويلا قد يمتدّ الى سنة لتمرير احد الطلبات. "ففي حال كان هناك اموال متوفرة من الاحتياطي الالزامي يمكن منح القرض، وإلا يتم ارجاؤه او رفضه"، موضحة: "بما ان الاحتياطي الالزامي ليس محددا برقم معينّ بل بنسبة، تتفاوت قيمته وفق حجم الودائع، فعندما يرتفع حجم الودائع، يزيد حجم الاحتياطي الالزامي وبالتالي يصبح هناك اموال للاقراض".
واوضحت ان التسليف عبر المؤسسة العامة للاسكان لم يتوقف اليوم عبر المصارف الرئيسية، لكنه قد يشارف على ذلك قريبا، وقد اصبحت بالتالي تلك التسليفات معرضة للخطر.
الاوساط المصرفية توضح ان القروض السكنية الممنوحة مباشرة اليوم من قبل المصارف التجارية، لا تخضع للفائدة المدعومة بل لفائدة السوق، التي تبلغ في السنة الاولى من فترة القرض 4,25 في المئة وترتفع في العام الثاني لتصل الى ما بين 6,50 و7 في المئة، وليس على غرار الفوائد المدعومة التي تبلغ 4 في المئة طيلة فترة القرض.
واشارت الى ان طلبات قروض الاسكان تراجعت بشكل كبير في الآونة الاخيرة، بنسبة تجاوزت 80 في المئة، عازيةً السبب الى تردّي الاوضاع المعيشية .
ومع رفض مصرف لبنان المنطقي والاحترازي لتحرير نسبة الـ10 في المئة المتبقية من الاحتياطي الالزامي بالليرة اللبنانية، يبقى عليه ان يضع ضوابط للمصارف، تمنعها من استخدام الاموال التي يقوم اصحاب القروض الكبيرة بسدادها، سوى لتسليف المؤسسة العامة للاسكان التي يعتبر حجم قروضها اصغر بكثير من القروض المباشرة التي تمنحها المصارف. وبذلك يكون مصرف لبنان قد حافظ على دور تلك المؤسسة الحيوي في المجتمع والاقتصاد اللبناني.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك