لم يكن ينقص تفاهم معراب المترنح أصلا على حبال التصريحات والتصريحات المضادة بين طرفيه إلا "حرب الأحجام الوزارية" التي انبرى إليها التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية في خلال مفاوضات تأليف الحكومة، في محاولة مبكرة لرسم أطر حضورهما الوزاري بناء على الأحجام التي أفرزتها صناديق الاقتراع.
تبعا لهذه المعادلة، طالبت القوات (15 نائبا) بتمثيل وزاري خماسي، يشتمل على منصب نائب رئيس الحكومة الذي يتولاه اليوم وزير الصحة غسان حاصباني، علما أن الدائرين في فلك رئيس الجمهورية يستندون إلى عرف يعطي بعبدا هذا المنصب، وهو ما شهدته العهود الرئاسية المتعاقبة منذ توقيع اتفاق الطائف.
في المقابل، لا يخفي التيار الوطني الحر امتعاضه مما يسميه نوابه "تضخيما في حجم التمثيل الوزاري الذي يطالب به الشريك المسيحي في الحكم"، في ما يمكن اعتباره قذفا لكرة العرقلة الحكومية في ملعب القوات، المرتاحة إلى أن الرئيس المكلف سعد الحريري لن يقدم على تشكيل حكومة تخلو من الفريق القواتي، كما من الحزب التقدمي الاشتراكي، وهو ما تقرأ أوساط سياسية بين سطوره محاولة لخلق فريق وزاري متوازن سياسيا".
وفي وقت تدفع هذه الصورة بعض المراقبين إلى القول إن الحريري يسير ببطء بين ألغام سياسية بتأليف حكومته، يذكر البعض أن السجال المسيحي- المسيحي ليس العقدة الوحيدة التي تعترض طريق التشكيل. اذ فيما ذهب التيار العوني بعيدا في سجاله مع الحليف القواتي، إلى حد اتهامه بعرقلة مسيرة العهد، ينبه مراقبون إلى أن كل ما يشهده مسار المفاوضات الحكومية يؤشر إلى أن التيار الوطني الحر في حال من "الاشتباك السياسي" مع عدد من الفرقاء ليس أقلهم القوات والحزب التقدمي الاشتراكي والمردة. كل هذا معطوفا على موقف متناقض مع "شريك التسوية الرئاسية"، تيار المستقبل الذي يطلق عدد من أركانه يوميا مواقف مؤيدة للمطالب القواتية والاشتراكية ذات الطابع الحكومي.
غير أن للعونيين نظرة مختلفة إلى الأمور يمكن تفسيرها من باب التفاؤل المعهود الذي يركنون إليه عند كل استحقاق سياسي بحجم تشكيل الحكومة. وفي هذا الاطار، يشير بعض الدائرين في الفلك البرتقالي عبر "المركزية" إلى أن التيار لا يرى أي مشكلة مع القوات، بدليل أنه أكد مرارا أن لا مشكلة له مع أحد، وهو كان أيد أعطاء القوات وزارة سيادية، لكنه يدأب على التذكير بأن نيابة رئاسة الحكومة تعود إلى رئيس الجمهورية.
وتشدد أوساط عونية على أن كل ما في الأمر أن على رئيس الحكومة المكلف أن يعلن بوضوح المعيار الموحد الذي تجري على أساسه عملية التأليف ويطبقه على الجميع بشكل متساو.
وفي السياق نفسه، تؤكد الأوساط أن التيار ليس في حال من الاشتباك، لكنها تعتبر أن هناك من لم يكن يتوقع فوز التيار بكتلة من 29 نائبا، ما يعني أن المواجهة التي يخوضها هؤلاء تهدف أولا إلى إضعاف العهد والكتلة الداعمة له، علما أننا لا نطالب إلا باحترام الأحجام التي أفرزها استحقاق 6 أيار الانتخابي، ونريد أن تشارك القوات في الحكومة وأن يكون رئيس الحكومة "قبضاي"، لكننا غير مستعدين للتفريط بحجم تمثيلنا كرمى لأحد، خصوصا أن حبر نتائج الانتخابات لم يجف بعد.
وفي ما يتعلق بالعقدة الدرزية الآخذة في التفاقم، على وقع إصرار رئيس الحزب التقدمي الاستراكي النائب السابق وليد جنبلاط على "احتكار" التمثيل الدرزي الثلاثي في توليفة ثلاثينية، يذكّر مطلعون على الكواليس البرتقالية بأن الحصة الحكومية الجنبلاطية كانت تقتصر على وزيرين عندما كانت كتلة الزعيم الدرزي مؤلفة من 13 نائبا، فكم بالحري بعدما تقلصت إلى 9؟، علما أن زعيم المختارة هو الذي فتح النارعلينا"، في إشارة مبطنة إلى التغريدة التي اتهم فيها جنبلاط العهد بالفشل، قبل أن يعود ويحذفها عن حسابه الشخصي على موقع "تويتر".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك