جاء في صحيفة "الجمهورية": لم يكن ينقص اللبنانيين الذين يعانون انقطاع الكهرباء وارتفاع الأسعار وكلفة الاستشفاء... سوى تَتابُع حلقات مسلسل "فضيحة" المازوت الأحمر التي تنتشر في محطات الوقود منذ أواخر الشهر الماضي، والتي يتجنّب بعض أصحاب الصهاريج شراءها وتسويقها، مؤكدين أنها ليست نفطاً بل رواسب نفطية... والغش "ماشي".
تبعاً لما تفرّدت في نشره منذ قرابة ثلاثة أسابيع، تابعت "الجمهورية" تحريّاتها في الموضوع واستطلعت الأمر لدى مهنيّي القطاع لكشف أساليب الغش في محطات الوقود. وبينما تردد اتهام عدد من الموظفين في منشآت النفط ومصلحة حماية المستهلك بـ"الإهمال" في ممارسة عملهم، أكدت أوساط مطّلعة لـ"الجمهورية" أنّ " وزير الطاقة والمياه، واستنادا الى المعلومات التي نشرتها "الجمهورية"، أوفد الأسبوع الماضي فريقا متخصصا الى احدى المصفاتين لأخذ عيّنات من المازوت وتحليلها".
وقال مصدر معني لـ"الجمهورية" أن "تهمة الإهمال لا تتناسب مع حجم الجرم المرتكب". واذ لفت الى "وجود شبهات عن تورط أشخاص محددين في هذه الفضيحة"، أكد أنه "مستعدٌّ اذا استدعاه الوزير باسيل للاستفسار، أن يخبره بكلّ التفاصيل المتعلّقة بهذه الفضيحة وزواريبها".
وللاستيضاح حول إمكان خلط المازوت بالماء سألت "الجمهورية" المستشار البيئي مازن عبود، فقال "الرّواسب النفطية تتكوّن من خليط مازوت وماء ورواسب أخرى"، مذكراً بأنّ "كلمة رواسب تعني نفايات، وبالتالي فانّ الرواسب النفطية ليست نفطا، ولا يصحّ استعمالها في المعدّات والموتورات، بل يجب تكريرها لفصل ما تبقّى من النفط عن الماء والرواسب الأخرى، قبل استخدامها".
وفي هذا الصدد، كشف عدد من أصحاب الصهاريج وأصحاب محطات توزيع الوقود، رفضوا الافصاح عن أسمائهم "تخوّفا من التداعيات السلبية عليهم نتيجة احتجاجهم المحقّ ولكن المقموع في بلدٍ تستبيحه المافيات من الكبير للصغير"، كشفوا أنّ "منشأتي طرابلس والزاهراني تبيعانهم مشتقات نفطية مخالفة للمواصفات، بعد أن أفرغت باخرة مازوت يوم الاثنين في 19/3/2012 حمولتها في المصفاتين ما يقارب من مليوني ليتر وُزّعت على كليهما بالتساوي". مع التذكير أنها "تحتوي فيروسات تعرف بـ "رزاز البترول"، وهي خليط من 65 % من الماء، و35 % من رواسب المشتقّات النفطيّة، وعبارة عن "رذاذ" محلول بنسبة لا تتعدى الـ 10 % من مادة المازوت النقي، أي أنها مخالفة وغير مطابقة للمواصفات القانونية من ناحية كمية المازوت الصافي فيها والتي يجب ألّا تقلّ عن 80 الى 90 %".
وأكّد هؤلاء أنّ "القطاع يغلي ويُدمّر ولا من يبالي"، موضحين أنّ "المازوت المُباع لا يخضع للرقابة الفعلية"، ومحمّلين المسؤولية للقيّمين على المنشأتين".
وأكد نقيب أصحاب محطات المحروقات سامي براكس أنّ "الصرخة أُطلقت، وتعالت الاحتجاجات تنديدا بهذه الفضيحة ولكن سرعان ما انطفأت واختفت، ولا ندري لماذا". واذ أشار الى أنها "المرة الأولى التي تحصل فيها حادثة مماثلة منذ مدة طويلة "، أكد أنه "غير معنيّ ولا دخل له بالموضوع". ولفت براكس الى "قانونٍ يحظّر على الشركات تعبئة خزاناتهم من البنزين أو المازوت قبل التأكد من نظافة ونقاوة المادة المُباعة"، مشيرا الى أنّ "ذلك لا يحصل في معظم الأحيان، خصوصا وأنّ صاحب الصهريج لا يكون حاضرا عند التعبئة، اذ أنّ سائقه هو من يشرف على هذه العملية، وبالتالي يقوم بواجبه متجنّبًا الدخول في التفاصيل". وتابع: "سابقا كانت تشرف على عملية الرقابة شركة موحّدة تشرف على عملية التعبئة وبالتالي لم يكن بمقدور أحد أن يمون عليها، خلافا لما يحصل حاليا، حيث أصبح لكل منشأة مكتب خاص للاشراف على الرقابة... فالفلتان مستشر في كل البلد، "شو وقفت على هذا القطاع؟!"
ودافع عدد من أصحاب الصهاريج ومحطات توزيع الوقود، الذين تحدثوا إلى "الجمهورية"، عن بعضهم البعض، مؤكدين أنّهم "مضطرون لشراء المازوت المتوفّر على رغم رداءته، والا سنتوقّف عن العمل". وفي وقت لفت البعض الآخر الى أنّنا "امتنعنا عن شراء هذه البضاعة حفاظا على مصداقيتنا في السوق، واشترينا المازوت من القطاع الخاص"، استنكر آخرون ما يشاع، مؤكدين أنّ "المازوت الذي يوزّع منذ نهاية الشهر الماضي والى اليوم، نظيف ولا شائبة فيه".
من جهته، أشار حسن جعفر صاحب محطة "الملتقى"- الشياح، أننا "كتجار وكنقابة لا خبرة لدينا في كشف هذا الموضوع، فهذا موضوع داخلي يخصّ وزارة الطاقة"، ولفت الى أنّ "أصحاب بعض المحطّات والصهاريج لا يتقيّدون بتنظيف خزّاناتهم دوريًّا بسبب النفقات التي تكلفها هذه العملية، في وقت يتسبّب بقاء خزانات الوقود فارغة لمدة طويلة في تشكل قطرات من الماء نتيجة برودة سطح الأرض ما يؤدي إلى ظهور رواسب مائية في قعر الخزان، وعند ملئه بالبنزين أو المازوت يختلط الماء المترسب مع الوقود، خاصة في المحطات البعيدة عن أماكن التكرير"، ورأى جعفر، الذي كان بدا متحفّظا وخائفا من التصريح "انّ جزءا آخر من أصحاب الصهاريج، واستهتارا منه بالمواطن، يلجأ الى افراغ مادة المازوت في خزانات "الفيول"، ثم بيعها أو استعمالها دون تكرير". واعتبر جعفر أن " استخدام ما يعرف بالرواسب النفطية أو خلط المازوت بالماء غير مستغرب ولا أستطيع نفيه أو تأكيده بسبب عدم توافر المعلومات المؤكدة عن هذا الموضوع لدي". واذ أشار الى أنّها "حرب شركات ضدّ المنشآت"، حمّل المسؤولية الكاملة لـ "مصالح مكافحة الغش التي تكتفي بمراقبة التجار ولا تتفقد محطات الوقود التي تساهم في تمرير مثل هذا المازوت المغشوش.والاستهتار يجرّ الاستهتار"، داعيا مصلحة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الى التحقق وأخذ عيّنات من المازوت لتبيان وجود الغش أو عدمه".
الى ذلك، لفتت مصادر من ادارة المنشآت الى أنّ "الباخرة المذكورة تأخر ارساؤها على البرّ 20 يوما، بعد توجيهات أعطيت لابقائها في المياه بانتظار اصدار جدول تركيب الأسعار الذي يرفع سعر صحيفة المازوت، وذلك لعقد صفقة مالية بما يعادل النصف مليون دولار"، على حدّ تعبير المصادر.
بالمقابل، نفى المدير العام الرديف في مصفاة الزهراني يوسف عيسى هذه الأقاويل، مؤكدا أنّ "البواخر تخضع لدى وصولها الى لبنان، لرقابة شركات مختصّة تقوم بفحص عيّنات هذه المادة للتأكّد من تطابقها المواصفات القانونية، ووفقا للنتيجة، تعطى الأوامر بتفريغها".
وأشار صاحب ورشة لتصليح المركبات عامر ب. الى أن" 40 بالمئة من الزبائن الذين يتقدمون إليه لتغيير محركات آلياتهم أو مدافئهم وغيرها، يكون ذلك نتيجة استخدام وقود المحركات المغشوش، و60 بالمائة المتبقية تصاب محركاتها نتيجة القدم أو حوادث المرور"، مضيفا أن "المواطن لا يمكنه معرفة غش تلك الوقود إلا بعد استخدامها وحدوث الأضرار في المحركات".
لا شكّ أن ما يحدث اليوم هو أزمة ضمير وتلاعب بحياة المواطن، والمسؤولية تتوزّع على الجميع، بدءا بالوزير، مرورا بالمدراء العامين على منشآت النفط، الى الجهات المختصة بقمع أعمال الغش كمديريات التجارة وحماية المستهلك، وصولا الى التجار والزبائن الذين يلعبون دوراً رئيسيا في تنامي الأزمة بسبب رضوخهم لابتزاز المسؤولين والباعة الذين يعقدون الصفقة تلو الأخرى، على حساب المواطنين العُزّل ... فحتى متى؟؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك