تختلف نكهة ذكرى انسحاب الجيش السوري هذا العام عن الأعوام التي سبقتها، لأنّه منذ 26 نيسان 2005 إلى اليوم لم تشعر الفئة السيادية في لبنان أنّ هذا الانسحاب قد تمّ فعليّا، وذلك بفعل استمرار الأوضاع نفسها تقريباً، فلا السيادة تحقّقت ولا الاستقلال أُنجز ولا الدولة استعادت مقوّماتها، وبالتالي حالَ "حزب الله" دون اكتمال فرحة السياديّين بهذا الإنجاز التاريخي الذي لم يكن أحد يحلم به لولا تقاطع عوامل خارجية مع أوضاع داخلية تمثّلت في البعد التشاركي المسيحي-الإسلامي.
ولم تأتِ نشأة "حزب الله" بعد الدخول الإسرائيلي إلى لبنان بالصدفة، والتي توّجت لاحقاً في العام 1985، إنّما جاءت بعد إدراك المحور السوري-الإيراني أنّ نفوذهما في لبنان سيبقى مهدّداً ما لم يتمكّنا من اختراق نسيجه الداخلي والتعويل على قوّة "لبنانيّة" تشكّل تعويضا عن "منظمة التحرير الفلسطينية"، وذلك تحسّباً لأيّ تطوّرات خارجية تفضي إلى خروج الجيش السوري، وتحرمهما من استخدام الساحة اللبنانية التي تمنحهما دوراً إقليميّا ومركزاً متقدّما في الصراع مع إسرائيل، هذا الصراع الذي يستخدم كذريعة لتعزيز دور محور الشر في المنطقة.
ولا حاجة إلى إعادة تشخيص وضع "حزب الله"، فهو قوّة إيرانية المنشأ والأهداف، ولا حاجة أيضاً للتدليل أنّ إيران التي خلقته وسوريا التي رعته نجحتا في إبقاء لبنان تابعاً لهما مع كلّ ما ينجم عن هذا الوضع من تداعيات خطيرة على مستوى الدولة والاستقرار والميثاق الوطني والشراكة المسيحية-الإسلامية وحجز حرية اللبنانيين وتعريض لبنان لحروب داخلية وخارجية.
ولكن على رغم ما تقدّم فإنّ وضع لبنان ما قبل الانسحاب السوري غير ما بعده، فقوّة "حزب الله" لا يمكن مقارنتها بقوّة النظام السوريّ، وهذا ما أدّى موضوعيّا إلى عودة الحياة السياسية ولو جزئيّا على رغم أنّ اللعبة الديموقراطية ما زالت معطّلة بفعل السلاح، إلّا أنّها تمكّنت من الموازنة مع هذا السلاح.
ومن هنا لا يجب التقليل إطلاقاً من الحدث التاريخي المتمثّل بانسحاب الجيش السوري، والحالة التعويضيّة المسمّاة "حزب الله" نجحت في إبقاء الدولة معلّقة ولبنان ساحة، ولكنّها فشلت في الإطباق على الحرّيات والهيمنة على توجّهات الأفراد والجماعات وقراراتهما. وهذا التوازن مرشّح للاستمرار ربطاً بتطوّرات الأوضاع في المنطقة، هذه التطوّرات التي ستقود إلى تقليص نفوذ الحزب في حال صبّت في مصلحة 14 آذار، واستمرار الأوضاع على ما هي عليه في حال العكس.
إلّا أنّ الثابت، قبل الثورة السوريّة، أنّ عودة نظام البعث إلى لبنان كانت مستحيلة، كونها تتطلّب ظروفاً دولية وإقليمية لم تعد متاحة، خصوصاً بعد أن تحوّلت إيران إلى مركز الصراع والتجاذب، وفي ظلّ التوجّه الدولي-العربي إلى عزلها وتقليص دورها ونفوذها، وتخيير الأسد حينذاك بين الفكّ عن طهران وحفظ رأسه وليس منحه أدواراً إقليمية، وبين التمسّك بتحالفه وتحمّل تداعيات هذا التحالف، وبالتالي كلّ المحاولات السوريّة بين عامي 2005 و2011 كانت ترمي إلى مساعدة "حزب الله" على التخلّص من أيّ معارضة جدّية تهدّد مشروع المحور الممانع.
ولكن ما الذي يجعل نكهة الذكرى السابعة لانسحاب الجيش السوري مختلفة عمّا سبقها؟ والجواب بالتأكيد الثورة السوريّة بعد أن برهنت بالملموس أنّها لن تتوقّف قبل أن تطيح بحكم الرئيس السوري، وبعد أن أثبتت الأحداث التي أعقبت الخروج السوريّ أنّ الخلاص الوطني اللبناني شرطه الأساس زوال نظام الأسد، خصوصاً أنّ زواله يمهّد لعزل "حزب الله" لبنانيّا وإيران إقليميّا. فالمعادلة واضحة وهي أنّ الدينامية الدولتية والسيادية لا يمكن أن تستعيد زخمها قبل كسر الحلقة السوريّة، والدليل أنّ الأوضاع ما زالت جامدة منذ 26 نيسان 2005.
وقد يحلو للبعض تحميل 14 آذار أخطاء في الممارسة أدّت بالمحصّلة إلى خدمة مشروع المحور الممانع، ولكنّ هذه الأخطاء لا تتعدّى تسجيل نقطة بالزايد أو الناقص في ظلّ استحالة تغيير المعادلة وقلب التوازنات التي تشترط سقوط النظام السوري.
وفي الذكرى السابعة لا يمكن القفز فوق وثيقتي "المجلس الوطني السوري" و"الأخوان المسلمين"، ويجب تغيير قواعد اللعبة بإعادة تسعير المواجهة السياسية مع "حزب الله"...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك