السلاح خارج الدولة كان مشكلة عهود عدة بدأت عام 1960 مع الدنادشة في منطقة الهرمل وقد أجرت "النهار" يومئذ تحقيقاً حول الموضوع عنوانه: "النهار تدخل معسكر ثوار الدنادشة حيث لا ماء ولا كهرباء ولا طريق ولا دولة"، وعادت بسبعة مطالب لمصطفى طعان دندش في طليعتها "إبطال نيابة صبري حمادة ورفقائه الذين فازوا في الانتخابات بفعل الرشوة والضغط والتزوير والذين شكلوا لائحتهم في حمص باشراف المسؤولين السوريين، وكف يد رئيس أحد الأجهزة". ولأن الدولة كانت دولة برغم وجود هذا السلاح فقد أمكن معالجة ليس نزعه فحسب بل معالجة حالة الفقر والجهل والامراض في المنطقة وشق الطرق وغيرها من المشاريع الانمائية التي تفقد وجود السلاح أهميته ودوره وتجعل المنطقة تنفتح على المناطق الأخرى ويتم التواصل بين السكان فيها وتلبية المطالب.
والدولة كانت دولة في لبنان من عام 1943 حتى عام 1958 عندما وقعت أحداث أمنية بحجة منع الرئيس كميل شمعون من التجديد وانتهت بعد أشهر بالاتفاق على انتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية فكان عهده عهد أمن واستقرار، الى أن دخلت في عهد الرئيس شارل حلو أول مجموعة من المسلحين الفلسطينيين الى منطقة العرقوب، وكان دخولها بداية الانتشار المسلح في غير منطقة من لبنان وبداية التحرش باللبنانيين عند الحواجز الفلسطينية والتعدي على سلطة الدولة. ومما زاد في ضعف السلطة انقسام اللبنانيين بين مؤيد للمسلحين الفلسطينيين لأنهم رفعوا شعار تحرير فلسطين من لبنان ومناهض لهم، الأمر الذي حال دون تمكين الحكومة الرباعية التي كانت مؤلفة من عبد الله اليافي رئيساً ومن الوزراء حسين العويني وبيار الجيمل وريمون إده في اتخاذ قرار حاسم في شأن دخول أول دفعة مسلحة من الفلسطينيين الى لبنان، وأدى انقسام اللبنانيين الى انقسام الحكومة لخلافها على اتخاذ هذا القرار ومن ثم استقالتها.
وجرت محاولات لنقل المخيمات الفلسطينية من المناطق المسيحية حيث تثير الحساسيات والاحتكاكات الى مناطق أخرى لكنها لم تنجح، مما أدى الى اشعال حرب لبنانية – فلسطينية عندما اصبح شعار الطريق الى القدس تمر في جونية وعندما لم ينفع حتى اتفاق القاهرة في ضبط السلاح ومنع تعديه على سلطة الدولة وعلى ما تبقى من سيادتها على الارض.
وهكذا تحول السلاح الفلسطيني من المواجهة مع اسرائيل إلى المواجهة مع الداخل، والتدخل في الشؤون السياسية اللبنانية وفي المعارك الانتخابية الرئاسية منها والنيابية. ولم يستطع هذا السلاح تحرير شبر واحد من أرض فلسطين، بل توجه نحو صدور فئة من اللبنانيين فكانت حروب طويلة دمرت لبنان ولم تتوقف إلا بقرار عربي كلف بموجبه قوة ردع عربية ما لبثت ان تحولت قوة سورية صرفة أوكلت اليها مهمة وقف الاقتتال في لبنان وإخراج المسلحين الفلسطينيين من لبنان الى تونس.
ولم يكن السلاح الفلسطيني في لبنان وحده من اعتدى على سلطة الدولة اللبنانية وسيادتها على الأرض، بل كان سلاح الميليشيات اللبنانية أيضاً التي تقاتلت في ما بينها وروعت الأمنين وهجرتهم من منازلهم،فكانت الاشتباكات بين مسلحي الحزب التقدمي الاشتراكي ومسلحي حركة "أمل" والاشتباكات بين مسلحي "أمل" ومسلحي "حزب الله" أي حرباً داخل الطائفة الاسلامية الواحدة ثم داخل الطائفة المسيحية باشعال ما سمي "حرب الالغاء" بين فريق من الجيش عندما كان العماد ميشال عون رئيساً للحكومة "والقوات اللبنانية" برئاسة الدكتور سمير جعجع، وكان قد سبق تلك الحرب اشتباكات بين "القوات اللبنانية" و"نمور الأحرار" أدت الى مقتل أكثر من ثلاثمئة شخص في منطقة الصفرا، بحيث بلغ عدد من قتلوا من المسيحيين ومن المسلمين من جراء اقتتالهم الداخلي يفوق العدد الذي سقط برصاص الأسرائيلي.
ولم يكن ثمة سبيل لقيام الدولة القوية القادرة في لبنان مع وجود السلاح خارج الدولة، بل قامت دولة مستعارة في ظل الوصاية السورية التي كان الأمر لها سياسياً وأمنياً، ولم تعمل هذه الوصاية على اقامة دولة قادرة على حفظ أمنها بقواتها الذاتية وليس بقوات مستعارة، كما أنها لم تمنع وجود سلاح خارج الدولة عندما بدأ ظهور سلاح مقاومة اسرائيل بقيادة "حزب الله" وبحماية تحالف سوري – إيراني. ولم يكن ثمة خلاف بين اللبنانيين على وجود هذا السلاح خصوصاً بعدما أثبت قدرته على تحرير جزء كبير من أرض الجنوب وحمل الجيش الاسرائيلي على الانسحاب منها تنفيذاً للقرار 425 الذي ظل من دون تنفيذ سنوات طويلة لأن اسرائيل أبت ذلك وظلت مصرة على البقاء في الجنوب. ثم اثبت هذا السلاح قدرته على مواجهة اسرائيل في حرب تموز 2006 ومنعها من تحقيق أهدافها في لبنان.
لكن هذا السلاح أخذ يفقد قدسيته ويثير انقساماً بين اللبنانيين عندما تحول الى الداخل واصبحت حوادث مار مخايل وبرج أبي حيدر وغيرها هي الطريق الغلط لمواجهة اسرائيل.
لقد أخطأ "حزب الله" عندما خلط بين العمل المقاوم في وجه العدو الاسرائيلي والعمل السياسي في الداخل فأصبح فريقاً، مع العلم ان ما من مقاومة في العالم دخلت السياسة إلا وأفسدت أهدافها.
لذلك فان على "حزب الله" ان يختار بين أن يكون سلاحه سلاح مقاومة في وجه اسرائيل كي يجعل جميع اللبنانيين يلتفون حوله، وينسق مع الجيش في المواجهة كي يتحمل الجميع العواقب، أو أن يكون شريكاً في الحكم ويتخلى عندئذ عن سلاحه للدولة، لأنه لا يعقل أن يكون في الحكم شريك مسلح وشريك أعز فيكون القرار للأقوى وإن لم يكن عادلاً. وعلى "حزب الله" أن يدرك أن ليس في إمكانه أن يجمع بين منطق المقاومة ومنطق الدولية، بل عليه أن يختار بين المنطقين كي تستقيم الأمور وتتحقق المساواة بين اللبنانيين وفقاً لما نصّ عليه الدستور
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك