الإمارات في متنِ الأخوّة الإنسانيّة ولبنان يعدِم السياسة بعد اغتيال السياسات!
08 Feb 201911:24 AM
الإمارات في متنِ الأخوّة الإنسانيّة ولبنان يعدِم السياسة بعد اغتيال السياسات!
زياد الصائغ

زياد الصائغ

Beirutinsights
تستحق الإمارات العربية المتحدة قيادةً وشعباً، مُقيمين ووافدين، أن تزهو فخراً باحتضانها التلاقي المسيحي - الإسلامي، بل وأبعد من ذلك يإبرازها حقيقة الجسور القِيميّة بين الأديان من أجل الإنسان، كلِّ إنسان، وكلِّ الإنسان، وفي سبيل السّالم الفاعل.
وإذا ما كان البابا فرنسيس الأول وشيخ الأزهر أحمد الطيّب شكّلا العلامة النبوية الاستثنائية في أزمنة الدَّجل الشعبوي المفتعل توتّراتٍ وحروبٍ مؤدّاها امبراطوريات وانتصاراتٍ موهومة ووهميّة على أشلاء الناس، فإن أرض الإمارات ما انتظرت هذه العلامة النبوية الاستثنائية اليوم لِتحكي أبوَّتها لروحِ الاعتدال، بل هي كانت في روحِ مؤسّسيها وخلفائهم قرار انوِجادٍ بالحرية والعيش معاً بسلامٍ وتسامحٍ وسعادة. ليس هذا من قبيل الإطراء البروتوكولي أو الانبطاح الانتِفاعي كما احترفه كثيرون، لكن ما أسلَفته قائمٌ من أن الإمارات اقتبلت الحكمة في القيادة، والرّيادة في الحوكمة، والاستدامة في توكيد مندرجات التلاقُح الديني التعدّدي في فِعلِ إيمانٍ بالآخر.
لم يكن عادياً قرار القيادة الإماراتية أن تُبرِز البابا وشيخ الأزهر أساس مبادرة الأخوّة. كان بعضٌ من امحاء رسمي إماراتي لصالح وهج القضية النبيلة وعطش الناس في جزر السخاء والمحبة.
ولم يكن عادياً أيضاً الإصرار على توقيع وثيقةٍ أخالها نبضاً من صميم الأزمنة الجميلة حيثُ تسقط القبضات المرفوعة، والحناجر المدوّية في نَتَنِ الدَّوسِ على أحلام الأبرياء بحروبٍ مقدّسة وجهاديّاتٍ مُمذهبة مشبوهة لا علاقة لها لا بالمسيحية ولا بالإسلام.
الإمارات نجحت في أن تصنع متنَ الأخوّة الإنسانية. لَيتَ السيّد السيستاني كان هناك وبطريرك القسطنطينيّة مع مرجعيّاتٍ إنجيليّة مشرقيّة. ليتهم وقّعوا معاً الوثيقة. ألمنا أن تنتقل الوثيقة لتُمسي دساتيرَ فينجلي خُبثُ حماية المستضعفين بكثافةٍ من الاستكبار.
*****************************
في لبنان حكومةٌ عتيدة وهريانٌ بنيوي. أعدموا السياسة بعد أن اغتالوا السياسات. لا أدري ما معنى أن تَهَب أصحاب السلطة فترة سماحٍ فيما هم لم يكفّوا عن التقاتل على الحصص. على مدى أشهر تسعة ما كان النقاش لحظةً في أولويّات الناس. أو برنامج الحُكمِ. أو آليّات التنفيذ. وفي هُنيهةٍ انتهت الأزمات كلها. حصّل كلٌ من أصحاب السُلطة ما استطاع. حتماً من أجلِ خِدمة الناس الذين حوّلوا رهائن في منظومة الزبائنية. رهائن نحن ونراهِن بكل ما عندنا علّ إنقاذاً ما يُعيد لنا بعضاً من كرامتنا المهدورة حتى ثمالة الانعدام.
البيان الوزاري، وفي قِراءةٍ معمّقةٍ له، مُترَعٌ بإرهاصاتِ انتفاضةٍ إصلاحية. ممتازٌ تبنّي "إعادة هيكلة القطاع العام"، لكن كيف؟ ومن سيهيكل؟ وممتازٌ الغوص في موجب خفض العجز، لكن على أي قاعدة؟ وهل جشعُ الصّرف والاستدانة وحده سبب العجز؟ وممتازٌ الانهماك في ورشة مكافحة الفساد، لكن ما هو الفساد ومن هو؟
كلُّ حالنا الموجوعة ما عادت تعالَج بالمسكّنات، لكن حتماً لا تُعالَج بالبحث عن مواقع لتحسين مواقع، وتحصيل مكاسب تعويضاً عن ضياعِ إرثٍ من هنا أو طمعاً بمنصبٍ من هناك.
كلُّ حالنا الموجوعة أننا تخلّينا عن السيادة، وامتثلنا لميزان القوى، وفبركنا توقّعاتٍ لا سياسة فيها ولا سياسات. السياسة فنٌ الممكن حتماً لكنها ليست براعةً في صوغِ سيناريوهاتٍ تفاوضية تبلُغ خواتيمها بانهيار ثوابت هوية لبنان.
أعدموا السياسة عندنا بعد أن اغتالوا السياسات. مصالِح الدُول تعني أمناً قومياً لا استقتالاً على نهش ما أسماه الباحث أديب نعمة "الدولة - الغنيمة".
كم صعب هو هذا الزمن الرديء. هذا ليس نقاً أو تذمّراً بل حقيقة قاتلة. من تلويث المفاهيم الى تشويه الوقائع فالكبرياء السلطوي والفوقية ودوس دِماء الشهداء.
قبل أسبوعين من اغتياله وفي لقاءٍ مع الوزير محمد شطح قال لي وهو ينظر من نافذة مكتبه: "اشعر أن ثمّة من يضيِّع البوصلة. أخاف الى أين نحن ذاهبون. أي تسوية على حساب سيادة لبنان تعني أننا فرّطنا بوطننا وشرعية الدولة". نظرت اليه. استطرد: "للحديث صلة. افضّل ألا اتكلّم الآن".
تذكرت في الأول من شباط حديثه في العمق… حرامٌ لبنان!.